عندما فتحت صباح اليوم نافذتي التي تطل على الحديقة، تولاني العجب حينما شاهدت شجرة المشمش في ثوب زاه قشيب، وكانت بالأمس عارية يابسة. . . . حقاً! ما أبهى شجرة المشمش في ثوبها الأبيض المزدهر، كأنها فتاة تتأهب لحفلة زفافها! من ذا الذي أتى بهذه المعجزة؟ من؟ هو أنت أيها الربيع، يا ألطف السحرة وأمهرهم؟
ولكن ظهور الربيع فجأة أعاد إلى قلبي ذكريات عزيزة، وإن تكن حزينة مؤلمة. .
إن قدوم هذا الربيع ذكرني بربيع آخر قضيته في باريس، حينما كنت طالباً بها. .
أذكر أنني ذهبت يوماً إلى حديقة (اللكسمبور) الغناء للمذاكرة في الهدوء والسكينة، قبل الامتحان بأسابيع، وبيدي كتاب (القانون المدني) للأستاذ (بلانيول) ولكن لم تكن عندي رغبة في المذاكرة هذا اليوم، لأن الطقس كان بديعاً؛ فالشمس أخذت تلمع في الأفق بعد احتجابها عنا طويلاً، والجو أخذ يعبق برائحة الربيع الزكية. . لشد ما كان جميلاً منظر جند الربيع، وهي تتسلق الأشجار في أثوابها الخضراء، وقد أخذت الطير تهتف وتصفق من فوق أغصانها لذلك الجيش الحليف الصديق، الذي أراجها من الشتاء البغيض. .
كنت أفتح كتابي لأقرأ فيه صفحة ثم أعود فأهمله لأتفرغ للنظر إلى التغييرات العجيبة التي تحدث في الطبيعة حولي. . . وكنت أغمض عيني، ثم استنشق - ملء الرئتين - عبق الربيع في نشوة عظيمة. . حقاً! لقد كانت بغيضة إلى نفسي تلك المذاكرة في هذا اليوم! مالي و (لبلانيول)؟ مالي وللعقود وتسجيلها؟ مالي وللحجز والاسترداد؟ والطبيعة تنجلي أمامي؟ وبينا أنا على هذه الحال، أفتح الكتاب لحظة لأهمله لحظات، إذ يرن من الخلف ضحك فتاة لم أنتبه إلى وجودها من قبل، وإذا هي تقبل فاسمعها تقول: إنك على حق! إنه لعذاب للنفس المذاكرة في مثل هذا الطقس البديع! أنا أيضاً لم أطق الذاكرة. . ثم أشارت إلى كتاب ألقته على الأرض. . وفي دقائق معدودة أصبحنا صديقين حميمين، وكأننا تعارفنا من زمان طويل، وكأن حديثنا هذا تتمة حديث قديم. . حقا! ما أمهرك أيها الحب في إحداث أمثال هذه المعجزات!