لو كان الرافعي حياً وعدا عليه عاد في نفسه وأدبه كما عدا سيد قطب ما تحرك بالدفاع قلم غير قلم الرافعي. وما أظن سيد قطب كان يتحرك إذ ذاك بثلب للرافعي أو تنقص لأدبه. أما وقد مات الرافعي فقد ظن سيد قطب أنه يستطيع أن يعدو على الرافعي ويسخر من أدبه باسم النقد، وهو آمن أن يوقعه ذلك في ورطة مهلكة كالتي كان يقع فيها لو أنه تناول أدب الرافعي في حياته، بمثل القلم الذي تناوله بعد مماته، لكن الأدب الكبير الحق، ككل شيء حق كبير في الحياة، يدفع عن نفسه بنفسه عدوان العادين حتى بعد موت صاحبه. ودفاع الحق عن نفسه له مظهران: مظهر إيجابي تقف فيه عناصر الصواب والصدق والخير تجادل عن نفسها عند كل ذي عقل وقلب، وتجعل منه حكماً يحكم لصاحبها ولو بين نفسه ونفسه؛ ومظهر سلبي لعله أعجب المظهرين وأخصهما بطبيعة الحق، يتجلى في تورط مخاصم الحق في أغلاط ومزالق ومهاو يتردى فيها من حيث يحذر ومن حيث لا يحذر، فيكون مخاصم الحق بذلك هو نفسه الذي ينتقم للحق من نفسه بما يكشف من عوارها ويبدي من مقاتلها
والأغلاط التي تورط فيها سيد قطب بالعدوان على الرافعي في نفسه وأدبه كثيرة لم يكن ما بيناه في المقال السابق إلا لأقلها. ويؤذن النقدً بها في أول ما يطالع من تلك الكلمات تطرف صاحبها البالغ في الرأي. والتطرف هو دائماً دليل الهوى وفقدان الاتزان في الحكم إن أغتفر للعامة فلا يعذر فيه الخاصة. فالعقاد عند الكاتب أديب الطبع القوي والقلب، ولا طبع ولا قلب للرافعي. والعقاد عنده لا يليق به لقب أمير الشعراء لأن المسافة بينه وبين شعراء عصره أكبر من المسافة بين الأمراء والسوقة؛ ومعنى هذا أن الرافعي الشاعر لا يبلغ أن يكون في السوقة حين يكون العقاد في الأمراء
ويزداد شطط الكاتب كلما تقدم به الشوط. فالعقاد يكتب عن عقيدة في الأدب والرافعي