طلب ألي أن أتحدث في فلسطين عن مصر، وان لفلسطين لعزيزة على كل نفس، حبيبة إلى كل قلب، جديرة أن تذكر لدى كل بادرة، ويستهل بها عند كل حديث.
ألست إذا ذكرت ذلك البلد الطيب - أينما كنت في بلاد الله، في أوطان العروبة والإسلام - تحولت إليك الوجوه وتطاولت نحوك الأعناق، وتطلعت لما تبديه القلوب والأبصار؟!
فيا لله ما أعجب إن في ذلك الاسم لسرا من الأسرار، بل إن فيه لسحرا من السحر!!
أجل. أن فلسطين لتلك، وان الحديث عنها لذو شجون. إنها البلد القدس، إنها بلد الوحي والنبوة، إنها القبلة الأولى في الإسلام. فلا عجب أن تتشوق أليها كل نفس، ويهفو لدى ذكرها كل فؤاد. . . وان مسالك الحديث عن فلسطين لكثيرة، بل إنها الأوفر من أن يحيط بها حصر، أو يطيف بها إلمام. فعلي أن أسلك سبيلا ينتهي بي إلى غاية، فأتحدث عن حياة الأدب هناك.
وحياة الأدب في فلسطين حديثة العهد قريبة الأمد. فلو ذهبنا مع التاريخ غير بعيد، لألفيناها خلوا من الأدب جملة، عدا نتف من هنا وهناك، كانت تبدو على أقلام الفقهاء، ورجال الدواوين؛ لا يصح أن تسمى ادبا، كما لا يصح أن تعتبر مظهرا من مظاهر الأدب على أية حال.
وحين نتوغل في تاريخها. نجد أنها لم تنجب - على تطاول العصور - غير آحاد من الأفذاذ الذين كانوا يلتمعون بين حين وآخر، وفيهم الكاتب والشاعر والمؤرخ. ومن هؤلاء: عبد الرحيم البساني (القاضي الفاضل)، وصلاح الدين الصفدي (صاحب التأليف الكثيرة)، ومجير الدين الحنبلي (صاحب الأنس الجليل في أعيان القدس والخليل). وآخرون غيرهم ندر أن تعاصر منهم اثنان، فتركا أثرا بارزا من آثار الأدب الخالد، وذلك إذا اعتبرنا فلسطين في حدودها التي تنحصر خلالها اليوم.
ولعل السبب أنها بلد مقدس، فيه المسجد الأقصى حيث الصخرة المشرفة، وفيه الحرم الإبراهيمي والأنبياء من أبنائه. ولذا كان هّم من أعرض عن الدنيا وزخرفها، أن يشّد إليها