١ - يعجبني كتاب الرسالة وقراؤها الكرام، فهم بحق وبلا منازع تلك الفئة المستنيرة التي تتذوق الأدب وتتعشقه، وتتعرف فنونه وأساليبه، وتتفانى في خدمته، فلا عجب إذا رأينا ألا تفلت منهم صادرة أو واردة من القول، حتى يتعرفوا مصدرها ويسروا غورها، فهم تارة يظهرون عوار الكاتب إذا لحن أو زل قلمه فغزا قولا لنفسه ولم يرده إلى قائله، أو نقل فكرة أو قصة ونسبها إلى قلمه زوراً.
وهاهي أقلام كتابها تتبارى ولا تفتأ تذكر أن تلك الفكرة لفلان، أو أن هذه القصة من وضع فلان، أو أن هذا المقال قد نشر في مجلة كذا للمرة الثانية، حتى أصبحت الرسالة النيرة مضرب المثل في التثبت والتحقيق والتدقيق والأمانة الأدبية الممتازة، فهي لا تحابي صديقاً أو تغمط عدواً، لأن مركزها الأدبي يحتم عليها أن تقوم بالقسطاس، وهو الذي أهلها لتلك المنزلة الرفيعة بين زميلاتها. أكتب هذه الكلمة البريئة - والأسف يملأ النفس - إذ أنظر إلى مقال قد نشر مرتين في وقت واحد وفي قطر واحد تحت عنوانين مختلفين - وصلب المقال واحد لم يتغير - وذلك المقال قد نشر في مجلة الأزهر الرسمية في الجزء السادس ص٥٥٥ من المجلد الثامن عشر تحت عنوان (على قيثارة الذكرى) ثم نشر في مجلة الأمانة في العدد السابع ص٢٦ من المجلد الأول تحت عنوان (ليلة كاملية). وها قد مضى على نشر هذا المقال بصورتيه مدة طويلة وقراء الأزهر والأمانة في سبات لم يحرك أحدهم ساكناً، وفات الأستاذ الفاضل أن يشير إلى ذلك - حتى لا يعاتب أو يؤاخذ - على هامش أحد المقالين.
ولا أدري السبب الذي دعا فضيلة الأستاذ وهو عالم ومدرس بالأزهر إلى ذلك، بل ما سبب تغيير العنوان على هذه الصورة المريبة؟ نريد جواباً!
وبعد فنحن في عصر كثرت فيه الأقوال بلا ميزان، وقلت بل عزت الأفعال، وكثيراً ما تخطر الفكرة ويسطرها القلم ثم تحجم النفس عن إرسالها للنشر، حتى لا تكون حجة أمام الله سبحانه وتعالى.
على أن العبرة ليست بكثرة الكتابة والتحبير في الجرائد والمجلات على أية صورة، وإنما