للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[توماس كارليل]

نظره إلى التاريخ

للأستاذ محمود محمود محمد

(ليس التاريخ العام في روحه ومغزاه - تاريخ ما أحدث الإنسان في هذا العالم - إلا تاريخ عظماء الرجال الذين ظهروا في هذه الدنيا، فقد كانوا أئمة، وكانوا مثلاً وكانوا قدوة لغيرهم، بل كانوا مبدعين لكل ما مارس الإنسان من أعمال، وكل ما حقق من أماني. إن كل ما نراه قائماً في هذا الوجود كاملاً متقناً إنما هو نتيجة مادية محسوسة، وتحقيق عملي مجسم لكل ما جال في رؤوس أولئك الرجال من أفكار، أولئك الرجال الذين هبطوا إلى هذا الوجود فكان تاريخهم بحق هو لحمة التاريخ وسداه)

بهذه العبارة يفتتح كاريل كتابه (الأبطال وعبادة البطولة) فيلخص لنا نظريته في التاريخ. يرى كارليل أن الفرد هو كل شيء، وأن قادة الشعوب هم خالقوها ومكيفوها، يؤثر الفرد في الجماعة ولا يتأثر بها. والبطولة في نظره تتقمص في فحول الرجال على صور شتى، فالرسول والشاعر والكاتب والمصلح والفيلسوف كل هؤلاء من طينة واحدة، ليس بينهم من خلاف، اللهم إلا في الهيئة التي يكتسون والأسلوب الذي ينتحون (ويصح لنا أن نعتبر هؤلاء الرجال من فصيلة فوق البشر، فصيلة غير آدمية، فكلهم رسول مبعوث إلينا برسالة خاصة من الأبدية المجهولة، من الحقائق الباطنة للأشياء، لا تحجبها عنه أباطيل الناس، وكيف ذلك والحقيقة تسطع على عينيه حتى يكاد ليعشى لنورها. . . الرجل العظيم مخلوق من فؤاد الدنيا وأحشاء الكون، وهو جزء من الحقائق الأولية للأشياء) لا تعميه عن واجبه جهالة عصره أو نقص في نفسه؛ هو يرمي إلى الحقيقة الثابتة، إلى الحقيقة الحية. ومن هذا الحق يستمد قوته، والى هذا الحق تصغي الجماهير، رسالته أبدية مثمرة (وأعمال الرجال! خبئها تحت رواسي الجبال، أو في أعشاش البوم، فهي لا تموت ولن تموت)

ويرى كارليل أن الناس مسوقون بطبيعتهم إلى عبادة البطولة (وإن الإعجاب بمن هم أعلى منا إدراكاً لأسمى شعور يتردد في الصدور، وليس روح الوجود وحياة الشعوب وكيان الجماعة الإنسانية إلا خضوعاً للعظماء وعبادة لأفكار العظماء)

وهذا الشعور كامن في الإنسان في كل زمان ومكان حتى في هذا العصر الحديث الذي

<<  <  ج:
ص:  >  >>