قلتها وسأقولها أيضاً: لا تعتمدوا على الحق مهما كان حقكم صراحاً، لأنه ليس للحق مكان في هذا العالم الشرير؛ فقد علمتم أن هيئة الأمم هي جمعية تقسيم أسلاب وعنائم، وأن مجلس الأمن مجلس مؤامرات وما أوصت هيئة الأمم بتقسيم فلسطين إلا كتقسيم الأسد الأمريكي الفرائس على صعاليك الأمم والدول. وقد طاوعتم مجلس الأمن في الهدنة الأولى لظنكم أنهم يحسبون لكم احترامها كرام أخلاق، فظهر لكم أنها دسيسة سياسية دستها إنجلترا وأمريكا لكي تسلم الهاجناه من الهزيمة النكراء، ولكي تتسامح مزيداً وتزداد عديدا، وهكذا كان.
والآن وقد عاد برنادوت بقض وقضيض من الجنود والبوارج والطرادات والنسافات والطائرات الضخمة والحلزونية المركبات المصفحة والدبابات وو الخ من الأسلحة، وفي هدنة لا آخر لها لكي يجعل فلسطين أخيرا كلها، لا قسما منها، دولة إسرائيل. وقد جعل الهدنة بلا أجل مسمى، لكي يصفو له الجو، ويرتب ويدرب على مهل، وهو يزعم أنه يفاوض ويماحك ويناهض ويعارك وأخيرا يستفتي.
وما معنى كل هذا وقد علم أن فلسطين كل لا يتجزأ، فهل ينكنه أن يعمل أعجوبة بأن يجزئها وتبقى كلا؟ ثم يستفتي من؟ وهو يعلم أن العرب أكثرية ساحقة فلطبيعة الحال ستكون نتيجة الاستفتاء أن فلسطين كلها لسكانها من عرب ويهود وفلسطيينين فما معنى الاستفتاء، وما معنى المفاوضة والأمر واضح؟ إلا إذا كان رنادوت يظن أن العرب يملون طول الهدنة واليهود لا يملونها لأنهم مقيمون في فلسطين كلها يستغلونها وأهلها مشردون عنها. وكيف يمكن أن يعودوا إليها غير مسلحين ويأمنون شر اليهود الأرداء.
لو كان برنادوت (كونتاً) أي من الشرفاء كما قيل لما قبل هذه المهمة العقيمة، وهي مهمة غير شريفة، ولما قال إنه لم يأت لإحقاق الحق، بل لكي يسوى خلافا بين العرب واليهود بأية طريق ولو بالغبن بالعرب. ولما رأى أن هذه المهمة مستحيلة عليه عاد بقوات حربية ضخمة لكي ينفذ بالقوة القاهرة ما شاء وشاء له منتدبوه.
لا ندري الآن إلى أي حد يفلح. نترك الأمر للزمن. وإنما يجدر بالدول العربية كلها أن