في موسم الحج الماضي، ومع روح العربية الحديثة وقلبها المخلص وفكرها الملهم وأمنيها الأول عبد الرحمان عزام بك، رحت أبتاع لنفسي معاني من أرض محمد، صلى الله عليه وسلم، مع ذلك الركب الإنساني العظم الذي يقصد كلُّ عام أسواق الرحمات، يسافر لها من كلُّ صوب عبر البحر والصحارى والجبال، ويخرج لها بائعاً كلُّ شئ إلا قلبه، مودعاً كلُّ عزيز من أهله وماله ووطنه.
وكيف لا أخرج إلى تلك الأسواق وقد رأيت الكساد والبوار والخسار تضرب كلُّ تجارة في أسواق العالم غير هذه السوق التي عرف تجارتها وأرباحها قصادها وروادها فقصدوها على بعد الدار وقلة الزاد؟
لقد أقبلوا بأجسامهم من كل صوب نحو مركز الدائرة الذي يسافرون إليه بالروح كل يوم خمس مرات.
إنها أرباح من المعاني التي لا تنفد والطمأنينة والسلام النفسي يدفع لها هذا الركب ما يجمع أفراده من حطام الدنيا وما يدخرونه ينقلونه عن طيبة خاطر راضية نفوسهم بالمشقات والصعاب. . .
إنهم يشقون الجسد ويبذلون المادة لإراحة الروح ونشدان السلام وطلب الحسنى أمام ديان الخلائق. . .
ذهبوا يعرضون نفوسهم وقلوبهم في تجرد وحفاء وشعاثة في أسواق الرحمات لعل الله يشتريها منهم ويمسح عنها أوضار الإثم. يلوذون بالمطهر الأول الذي جعله الله أول بيت وضع للناس لتزكية النفس وتأهيلها للدنو منه والعلو إليه بعد الهبوط من جنة السماء. . . يطوفون حوله في ابتهال وتبتل وفناء وسط الإنسانية الشقية التي دمرتها الآلام. . . ويطيعونه طاعة مبصرة وعمياء في كلُّ ما فرضه عليهم في تلك الرحلة. . . ويتنقلون بين يديه في مجال الطبيعة، يصلّون له في هياكلها ملبين في الأسحار والإصباح والظهيرة والضحى والأصائل. . .
يصعدون الهضاب والجبال، ويهبطون الوديان والرحاب في استغراق وابتهاج وبكاء،