تفضل صديقي الأديب الشاعر الأستاذ محمد عبد الغني حسن فكتب عن كتاب (معاني الفلسفة) كلمة، فلا يسعني إلا أن أشكره على ذلك، فقراءة الكتاب دليل على العناية، ونقده أدل في الرعاية.
وصديقنا يمتاز بخصلة حميدة هي التواضع، فما كاد يقرأ الرأي الذي دعوت إليه من أن إنسان ما دام يفكر فهو صاحب فلسفة، حتى نظر إلى نفسه فأدرك آخر الأمر أنه (ككل إنسان عادي ليس فيلسوفاً مشتغلاً بالفلسفة. وأدرك أن نظرة كل إنسان إلى الحياة لا تسمى فلسفة، ولا يسمى صاحبها فيلسوفاً)،
ولا شك عندي أن التواضع هو الذي صرف الأستاذ عبد الغني عن الانتساب إلى الفلسفة، والدخول في زمرة الفلاسفة، لأنه يقنع بصحبة الأدب والانتساب إلى الشعراء؛ كأنه يريد أن يقول إن الشعر والفلسفة يتعارضان فلا يلتقيان ولا يجتمعان، ولهذا ضرب المثل بشاعرين وقال (وإلا لكان زهير بن أبي سلمى الشاعر الحكيم فيلسوفاً بسبب هذه الحفنة من النظرات التي وضعها في معلقته، أو كان أبو العلاء المعري فيلسوفاً بما له من وجهة نظر خاصة في الحياة)،
الشعر لا يتنافى مع الفلسفة، فقد عبر الفلاسفة الأقدمون عن آرائهم نظماً، وفي اليونان كثير من الفلاسفة سجلوا فلسفتهم في قصائد، مثل اكسانوفان الذي دعا إلى الوحدانية، وبارمنيدس صاحب الفلسفة المثالية. وإذا كان الأمر كذلك فلم يجد كثير من النقاد بأساً أن يسمعوا أبا العلاء المعري فيلسوفاً، حتى لقد اشتهر بفيلسوف المعرة، وجرت هذه العبارة على الألسن وشاعت بين الأدباء.
وعندي أن النزعة الجديدة التي نجدها عند فلاسفة اليوم من الاتجاه نحو تعريف الفلسفة بمعناها الواسع، فتشمل جميع الناس والخلاف بينهم في الدرجة، ومن الانصراف عن المعنى التقليدي الذي ساد في العصور القديمة والوسطى، هذه النزعة ترجع إلى قرنين من الزمان. ذلك أن ديكارت، أبا الفلسفة الحديثة، دعا في القرن السابع عشر إلى أفكار جديدة، كانت أساساً للحياة الاجتماعية والسياسية والعلمية والعقلية التي نحياها الآن. فهو يستهل