(القيثارة الخالدة التي غنت أروع أناشيد الجمال والحرية
والخيال. . .)
للأستاذ محمود الخفيف
- ٣٢ -
البطل الضرير:
أدت نظرة ملتن إلى المرأة أنها دون الرجل منزلة وعقلا إلى إهمال منه معيب في تعليم بناته فكبرن وحظهن من الثقافة قليل، وكن لا يعرفن إلا لغتهن إذ رفض أبوهن أن يعلمهن لغة غيرها. وكان يقول في ذلك ساخراً (حسب المرأة لسان واحد)؛ وكان أبوهن في شغل عنهن أكثر الأوقات بكتيباته وخصوماته وأعباء منصبه فكان يترك أمورهن للخدم. والحق أن ملتن كان متخلفاً عن عصره في النظر إلى تعليم البنت ولذلك لم يشايع كومنس حين كتب هو عن التعليم رسالته التي سلفت الإشارة إليها إذ كان كومنس يذهب مذهب أفلاطون في المساواة بين البنين والبنات، وكان لا يعني ملتن إلا بالبنين، وعنده أن من العبث تعليم البنت كما تعليم الكائنات العاقلة على حد تعبيره.
وأملت عليه بيوريتانيته أن يحيط بناته بشيء من الخشونة فلم يمتعهن كما تتمتع البنات إلا قليلاً، فأحسن استبداده بهن وأن لم يشعرن منه بغليظ أو فظاظة، وزاد إحساسهن شدة حرمانهن من أمهن، فقرر في نفوسهن شيء يشبه أن يكون جفاء منهن لأبيهن.
ولما عاد ملتن إلى الشعر وأراد أن يرجع إلى الكتب التي تتصل بموضوعه، كان يقرأ له ويكتب رجل أستأجره لذلك، ولكنه كان لا يعرف غير الإنجليزية حتى لقد شكا ملتن في كتاب إلى صديقه أنه كثيراً ما يتضجر ويضيق بهذا الكاتب الذي يضطر إلى أن يذكر له هجاء كل عبارة لاتينية يمليها عليه كلمة، وكان يقرأ له أحيانا بعض الشباب ممن تنافسوا في الخطوة بهذا الشرف وممن طلبوا الفائدة من القراءة له، كما كان يرسل بعض أصدقائه