وأما ما ذكرتموه عن رأي ابن خلدون في هذه القضية، فهو أيضاً في حاجة إلى إنعام النظر.
فقد نقلتم الفقرات التالية، من مقدمة هذا المفكر العظيم:
(والعرب أصعب الأمم انقياداً بعضهم لبعض، للغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرياسة؛ فقلما تجتمع أهواؤهم من أجل ذلك لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر من الدين على الجملة).
أنا أعرف أن ابن خلدون أبدى هذا الرأي في مقدمته المشهورة، ولكني أرى من الضروري أن نفطن جيداً إلى ما يقصده من كلمة العرب الواردة في هذه الفقرات؛ ثم نبحث عن نصيب رأيه هذا من الصحة والصواب.
من الأمور التي يجب أن تبقى نصب أعيننا على الدوام - حين نقرأ مقدمة ابن خلدون ونستشهد بها - أن مؤلفها كان يقصد من كلمة (العرب) العربان بوجه خاص وفقاً لما هو متعارف بين العوام -؛ ولم يقصد قط أفراد الأمة العربية بوجه عام كما نفهمها ونتصورها نحن الآن.
إنني سردت الأدلة الكثيرة التي تبرهن على ذلك برهنة قاطعة في عدة مقالات نشرتها في بيروت وبغداد وفي فصل خاص من الدراسات التي كتبتها عن مقدمة ابن خلدون، ولا أرى لزوماً إلى إعادة تلك البراهين والأبحاث في هذا المقام. ولما كانت الدراسات المبحوث عنها قد نفذت، رأينا أن ننقل هنا نموذجين من البراهين المسرودة فيها، وقد انتخبنا أحدها من القسم الأول من المقدمة، والثاني من القسم الأخير منها، قلت:
(فلنلاحظ الفصل الذي يقول فيه ابن خلدون (إن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب) ولننعم النظر في الأدلة التي يذكرها لتعليل رأيه هذا: