البلاد العربية الآن في سبيلها إلى التنبه والوعي الذي يسبق النهضات ويدلها على المهيع الواضع، ويأخذ بيدها إلى الطريق الواجب أن يسلك. فإن المسالك متشعبة دائماً في إبان هذه الأوقات، ولابد من إدلاء ماهرين من رجال الفكر الناضج والثقافة الصحيحة يقفون بجانب رجال السياسة والحكم في البلاد العربية الصاحية من سباتها الطويل ليوجهوا البلاد وجهة صحيحة خشية أن تطغى عليها تيارات مختلفة فتصرفها عن سواء القصد واعتدال الجادة
هؤلاء الأحرار (الوعاة) من رجال الفكر هم الذين نحتاج إليهم اليوم فيما نحن بسبيله من يقظة قومية. وإذا كان عددهم قليلاً لا يتناسب مع خطورة القضية التي تواجهها البلاد العربية، فقد ظهرت من قلائلهم (آثار واعية) تبشر بأن الوطن العربي بدأت فيه طلائع التفكير المنظم والدرس المتسق، وتبشر كذلك بأن ضآلة العدد ليست بمانعة من جودة النوع. وتبشر كذلك بأن البلاد العربية ظهر فيها قوم لا يؤمنون بقيمة الأمشاج المختلطة من الأدب والشعر إيمانهم بالقيم العالية للعلم الصحيح الذي يعبر عنه الغربيون بكلمة لا العلم الذي كان يجعل من الفقيه عالماً ومن النحوي عالماً ومن العروضي عالماً
ولقد ظهر في المكتبة العربية ثلاثة كتب قيمة تتصل بموضوع الثقافة والتربية القومية وما إليها: الأول كتاب (مستقبل الثقافة في مصر) للدكتور طه حسين. الثاني كتاب (آراء وأحاديث في التربية والتعليم) للأستاذ ساطع الحصري مستشار المعارف في الجارة العربية الشقيقة سورية، والثالث كتاب (الوعي القومي) للدكتور قسطنطين زريق أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية ببيروت
أما الكتاب الأول فموضعي يختص بموضوع الثقافة في مصر، وقد لقي في حينه ما يستحقه من النقد ومكن الله لمؤلفه من الأمر ما يعينه على تحقيق برامجه الطويلة
أما الكتاب الثاني فيتناول مسائل في التربية والتعليم والقومية، وكان من حظي أن أقدمه لقراء (الرسالة) من عهد قريب. أما الكتاب الثالث - الوعي القومي - فكان من حظه أن