لو سألت أحداً ممن لم ينالوا من العلم شيئاً من هو الكيميائي؟ لأجابك إن الكيميائي رجل يستطيع أن يحول الرصاص ذهباً، وهذا لا وجود له.
وهكذا علق في ذهن كل منا عندما قرا القصص القديمة إن الكيميائي هو الذي يستطيع ان يحول معدناً خسيساً إلى معدن ثان نفيس تحت تأثير قوة روحية سحرية.
الانتقال من عنصر إلى عنصر كان حلم الكيميائيين القدماء.
غلت المراجل أياما وليالي، واستحضر الكيميائيون الأرواح واستنجدوا بالأسرار، واوهم أناس أناساً بأنهم توصلوا إلى سر هذه المهنة، وأتت القصص تستعمل هذه المواضيع، وقضى بعضهم حياته ساعياً وراء هذا السراب الخلاب لينتظر قوة يجهلها تحول رصاصه ذهباً، ومضى عصر ثم عصر وعصور، دون أن يستحيل درهم من رصاص إلى عشر درهم من فضة أو ذهب!
واليوم وأين نحن من تحقيق هذه الفكرة؟ أين نحن من تحقيق خيال كيميائيينا القدماء؟
لسنا بعيدين قط عن تحقيقها، وان كنا لا نزال نقف أمام رصاصنا وقفة ذلك الكيميائي القديم يستنزل القوة. نعم لقد أصبحت استحالة الأجسام شيئاً خاضعاً للقوانين العلمية الثابتة.
ولكن القوة التي كانت تنقص الكيميائي القديم ليحقق خياله لا تزال تنقصنا لنحقق يقيننا العلمي. ومن يدري؟ فلعل ذلك الخيال كان في الحقيقة إلهاماً علمياً!
أثبت (ايفيزيك) أن المادة مركبة من وحدات متناهية الصغر تدعى كهارب، تدور بسرعة هائلة حول نواة وسطية كما تدور السيارات حول الشمس، وكل نظام من هذه النظم الصغيرة يشبه ما نسميه ذرة. هذه الكهارب هي نفسها في كل ذرة وفي ذرة أي عنصر. وإنما الذي يختلف إذا انتقلنا من عنصر إلى اخر، من النحاس مثلاً إلى الذهب، أو من الأزوت إلى (الهيدروجين) هو عددها والترتيب في مركبات النواة. (النواة بدورها مركبة من أجزاء صغيرة جداً تقسم إلى كهارب وإلى بروتون. وهي تحمل، أي النواة، كهربائية إيجابية.) فالانتقال إذاً من عنصر إلى عنصر شيء ممكن إذا استطعنا تبديل عدد هذه