الأستاذ عمر الدسوقي من أُدبائنا المبرزين، الواسعي الاطلاع، الدائبين على البحث والتنقيب، القادرين على التمحيص والتحقيق، وهو ذو قلم بارع سيال، وأسلوب قوي متين، يشهدله بتمكنه من الآداب العربية والآداب الأجنبية على السواء.
أخرج لنا حديثاً كتابه (في الأدب الحديث) وهو من الكتب الجليلة القيمة التي استوفت حظَّها من البحث والتحقيق، ولقد قرأ مؤلِّفه الفاضل واستقصى كل ماله علاقة بالأدب الحديث حتى بلغت مراجعه أكثر من خمسة وثمانين مرجعاً بعضها عربي وبعضها أجنبي، وبعد أن هضم هذه المراجع أخرجها لقراء العربية في هذا الثوب القشيب، المركز المعلومات، الممحص المباحث، في أسلوب عربي مبين، وعرض رائع جذاب.
استعرض المؤلف الفاضل الأدب الحديث من يوم أن بدأ يحبو إلى أن شب واكتهل وصار مارداً عملاقاً في جيلنا الحاضر.
استعرض النهضة في عصر محمد علي. شارحاً السبل التي سلكها للنهوض بالشعب المصري، ورفعه إلى مستوى الأمم الناهضة، مبينا أن الاتجاه في عصر محمد علي كان علمياً بحتاً لحاجة النهضة إلى العلوم، وأن الآداب لم يكن لها إلا نصيب ضئيل، ثم انتقل إلى عصر اسماعيل فتكلم عن النهضة في عصره، وعن الجمعيات العلمية التي قامت، والمدارس الأدبية التي نشأت، مترجماً لأصحاب هذه المدارس، وواقفاً عند البارودي باعث الشعر الحديث وقفة طويلة، خرج منها مبيناً إلى أي حد حاكى البارودي القدماء وقلدهم، وإلى أي حد جدد واخترع. وعرج منها على النهضة في بلاد الشام مبيناً أثر الإرساليات التبشرية فيها، وانتقل من ذلك إلى النهضة الجديدة في الأدب العربي التي اتخذت لها لوناً خاصاً، والتي ظهر فجرها في أخريات إسماعيل وعهد توفيق حينما منيت مصر بالاحتلال الأجنبي وازدياد نفوذ الأجانب وما كان من تنبه المصريين إلى الخطر الداهم، ومصادفة ذلك وجود السيد جمال الدين الأفغاني الذي ألهب النفوس وحرك العزائم وأيقظ الهمم، وما كان من جراء ذلك من ظهور الأدب القومي.