سعدت الأندية العلمية والأدبية في العام الماضي بمحدث من الطراز الأول، برع في فن الطب وأولع بالأدب من مختلف اللغات، وشغف بالبحث العلمي شغف العلماء أصحاب الاختصاص؛ ذلك هو الدكتور قاسم غني سفير إيران الذي حاضر الأطباء في تاريخ الطب، وحاضر الأدباء في الأدب الفارسي وصلته بالآداب الإسلامية، وشكل لجنة لإحياء ذكرى فيلسوف الإسلام ابن سينا، والذي استمع إليه صحبه في كثير من التقدير والاستحسان كما قرأ له أصدقاء الرسالة بحثه القيم في تاريخ الطب عند المسلمين، وقد نشرته الرسالة تباعاً. وغادر الدكتور غني مصر بعد أن ترك فيها جماعة من الأصدقاء المعجبين بعلمه وأدبه وكتابته، وهذا من خير ما يتركه سفير في بلد أدى فيه السفارة.
ومصر إذ تودع الدكتور قاسم غني تستقبل سفيراً جديداً لإيران هو السيد علي داشتي، وهو الصحفي الكبير والزعيم البرلماني الذي يعرفه الإيرانيون، والذي اشتهر عند المشتغلين بالدراسات الشرقية كأحد بناة النهضة الإيرانية الحديثة. فقد اتخذ من الصحافة الحرة وسيلة للدعوة إلى الحرية والعدل والأمن وهو الذي وقف في ثبات وجسارة يطالب بالإصلاح في آخر العهد القاجاري، وظل في كفاحه الصحفي مصلحاً اجتماعياً وداعية إلى ما فيه خير بلاده بكل ما يملك من جهد.
والذين يدرسون تاريخ إيران الحديث، في مصادره الأصلية يعرفون ما كان للسيد علي داشتي من فضل في توجيه سياسة حكومة بلاده نحو الإصلاح الاجتماعي الذي يجعل من كل فرد مواطناً صالحاً لخدمة أمته.
والسيد علي داشتي رجل دين، فقد بدأ حياته العلمية يطلب العلوم الشرعية في كربلاء، حتى إذا حذقها وألم بأصولها وفروعها أدرك أن الرسالة الأولى للصحفي هي أن يبين للشعب الخبيث من الطيب، والزائف من الحق. ولا تزال مقالاته التي جعل عنوانها (الإصلاح الديني) خير ما كتب في إيران لنقد عادات الناس الرذيلة وبعدهم عن لباب الدين وأصوله، وانحرافهم إلى ترهات لا تمت إلى الدين بصلة. وفيها دعا الناس إلى إتباع أحكام القرآن الكريم وسنة النبي عليه الصلاة والسلام وسيرة السلف الصالح في صدر الإسلام.