للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[وحدة الوجود. . .]

كثير من المناحي الفكرية، والمذاهب العقلية، والطرائق الرياضية، ترمي إلى (وحدة الوجود) وكلها تتباين في طرق التفكير، ونهج الفلسفة، ولكنها متفقة مجمعة على حقيقة واحدة، تلك الحقيقة هي أنه بين غير المتناهي والمتناهي علاقة يتأدى بها إلى اتحاد الطرفين.

وكما اتفقت تلك الفرق في اختلافها على هذه الحقيقة، اتفقت في وجهة النظر التي سارت بهم على ضوء المقدمات حتى انتهت بهم إلى هذه النتيجة، فهم متحدون في المصدر والمورد مختلفون في الطريق الذي بينهما.

فالكثرة الغالبة من فلاسفة الصوفيين في الإسلام يعتبرون أن الحق موجود قبل كل موجود (وهذا صحيح) ثم يقولون وقد وجدت الكائنات بعد أن لم تكن، ولما كان غير معقول أن يوجد شيء من لا شيء لزم بالبداهة أن يكون الوجود هو عين الموجود، وأن ليس وجود إلا وجود الحق يصور أحوال ما هي عليه الكائنات، فالله ظاهر في المظاهر، والمظاهر هو على ما هي عليه.

وهذا بعينه هو ما انتهى اليه (هيراكلت) الفيلسوف اليوناني إذ استنتج أن الكائن الإلهي يتخلل صور الأشياء المتناهية، والمتناهي نفسه لا يوجد إلا في الله.

وتكاد تكون عين ما وصل اليه (تولاند) أول من أطلق اسم الاتحاد في أوربا. حيث زعم أن العالم ليس منفصلاً عن الله الأ في وهمنا فقط.

وقديما تساءل الناس من اين جاءت الروح، ومم نشأ الجسم؟ ثم قالوا إذا كان واجب الوجود غير متناه وجب إلا يوجد شيء خارجاً عنه، لأن غير المتناهي يستغرق كل موجود.

وإذا تقرر أن الأرض وما تتبع ليست إلا مجموعة صغيرة حقيرة من مجاميع لا عدد لها تسير بقانون في فضاء لا يتناهى.

إذا تقرر هذا جاء العقل فقال إن شيئين غير متناهيين لا يوجدان معا، فإذا كانت الكائنات غير متناهية، والخالق غير متناه، وجب أن أحدهما هو الأخر.

وعلى ضوء هذا الفكر مشى العقل طفلاً يحبو إلى الاتحاد، فلما أن شب واستطاع أن يمشي على ساقي الاعتقاد بافتراض الشك جرى إلى المذهب ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

سرى هذا المذهب إلى الإسلام في القرن الثالث، ومشت به الفلسفة ممثلة في أساطين

<<  <  ج:
ص:  >  >>