(قمة من القمم الشوامخ في أدب هذه الدنيا قديمه وحديثه)
للأستاذ محمود الخفيف
روسيا لا تزال في الغسق
أهل على أوربا نور القرن التاسع عشر وروسيا ما تزال في الغسق؛ ولئن لاحت في أفقها بشائر الفجر لحظة على يد قيصرها الإسكندر الأول ولى أمرها في أول أعوام هذه القرن فإنها ما لبثت أن علمت أنه الفجر الكاذب!
كان الإسكندر يريد أن يوجه همه إلى النهوض ببلاده في الداخل، وقد اعتزم أن يجنبها ويلات الحرب في الخارج، ولكن سرعان ما فطن أن طوفان الحرب لابد مدركه فحالف إنجلترة والنمسا وظاهرهما على نابليون، ومن ثم ذهبت بشائر الفجر أباديد في حلكة الليل العابس.
وما لبثت أن ساق نابليون الجيش الأعظم ليذل به روسيا ولكن حملته عليها كانت بداية نهايته؛ ولما حمل بعد وترلو إلى سنت هيلانة، أصبح القيصر في القارة مرموق المكانة عظيم الخطر ولكن هذا الوضع الذي هيأته الظروف لروسيا في سياسة القارة كان يتطلب رجلا غير الإسكندر، فلقد حار هذا الرجل بين دعاة الرجعية وأنصار الحرية كما أضله زمنا تصوفه وحلمه اللذيذ الذي خيل إليه أن في الإمكان أن تجعل أوربا تسامح المسيحية أساس العلاقات الدولية؛ وأخيرا تغلبت عليه سياسة مترنخ، فصار من أكبر أنصار الرجعية في القارة وفي روسيا، وفقد دعاة الحرية أملا عللوا به أنفسهم برهة على يديه.
وأخذت أوروبا تقاوم الرجعية فكانت تلوح بشائر النور مرة وتختفي مرة، ولكنها ترى كل مرة أسطع منها في سالفتها نورا وأطول أمداً حتى ذهب الليل وانهل النور فأضاء كل ركن في القارة ومحا كل ظلمة.
ولكن ليل روسيا قائم قاتم وآفاقها عابسة دامسة؛ وكان يدب تحت هذا الليل نحو تسعة وأربعين مليونا من الأنفس كلهم عبيد ومن هؤلاء زهاء ثلاثة وعشرين مليونا تابعون