هو سلم بن عمرو مولى بني تيم بن مرة ثم مولى آبى بكر الصديق رضى الله عنه. وكان من سبب تسميته بالخاسر انه ورث عن أبيه مالاً كثيراً - مائة ألف درهم - أنفقها كلها في طلب الشعر والأدب والموسيقى. كما انه ورث مصحفا من أبيه كان لجده من قبل فباعه واشترى بثمنه طنبورا، لذلك لقبه بعض أهله وجيرانه بالخاسر وقالوا انفق ماله على ما لا ينفعه. فأسرها سلم في نفسه ولم يبدها لهم. ومضى في سبيله يجد في طلب الشعر وراويه، والأدب وذويه، حتى حاز قصب السبق وصار علما من أعلامه، وشاعراً مطبوعاً متصرفاً في فنون الشعر، ورواية لبشار ابن برد أستاذه. وعنه أخذ، ومن بحره اغترف. ومدح الملوك والأمراء، وتحدى الشعراء. ومن محاسن الصدف انه مدح المهدي العباسي بقصيدة فأعجب بها وأمر له بمائة ألف درهم، وكان المهدي على علم بسبب تسمية بالخاسر، فقال خذ هذا المال وكذب به جيرانك؛ فجاءهم سلم بالمال وقال لهم هذه المائة ألف درهم التي أنفقتها وربحت الأدب. فأنا إذاً سلم الرابح لا سلم الخاسر
وحدث أن أستاذه بشار بن برد بعثه إلى عمر بن العلاء بقصيدة مدحه بها التي يقول فيها:
إذا نبهتك صعاب الأمور ... فنبه لها عمراً ثم نم
فلما جاءه سلم بها وأنشده إياها أمر عمر بن العلاء بمائة ألف درهم لبشار بن برد؛ فلما رأى سلم المال الموهوب لأستاذه بشار تحركت نفسه وتلمظت شفتاه إلى نيل جائزة له أيضاً. فقال لعمر بن العلاء إن خادمك - يعني نفسه - قد قال في طريقه إليك قصيدة فيك. فقلل له عمر - فإنك لهناك - فأجابه سلم. تسمع ثم تحكم، فقال عمر هات فأنشد قوله:
قد عزني الداء فمالي دواء ... مما ألاقي من حسان النساء
قلب صحيح كنت أسطو به ... أصبح من سلمى بداء عَياء
أنفاسها مسك وفي طرفها ... سحر ومالي غيرها من دواء
إلى أن قال:
كم كربة قد مسني ضرها ... ناديت فيها عمر بن العلاء
فاعجب بها عمر وأمر له بعشرة آلاف درهم، فكانت عطية سنية لم تخطر له ببال