هل تطلبون من المختار معجزة ... يكفيه شعب من الأحداث أحياه
وكيف ساس رعاة الإبل مملكة ... ما ساسها قيصر من قبل أو شاه
(غنيم)
استويت إلى مكتبي المتواضع، وفي النية أن اكتب فصلا (للرسالة الغراء) عن نخاسة الأعراض وتجارة الزواج في شرق الأردن؛ وفيما أنا أفكر في عناصر الموضوع وطريقة الدخول إليه واستجمع له الخواطر الشاردة، والأفكار الطافية فوق هموم العيش والإفلاس، إذ بطارق يقرع على الباب ثلاث قرعات متوالية، ثم يقتحم الغرفة بدون استئذان ويجلس بالقرب مني على مقعد خشبي قديم أشبه ما يكون بمقاعد مقهى العتالين في باب العامود. وكانت بادرة الفكر أن أحوله عن هذا المقعد الوضيع الذي لا يتفق ومكانة الزوار، ولكنه تشدد عليّ وأبى إلا أن يلازم مكانه الذي ظل جالساً فيه وكأنما يستجمع قواه ليقفز
كان طوالاً أجناً، ياسر الوجه، أترم الثنية اليسرى، متغطرفاً وعواعاً، قد تفشغ الشيب في لمته وذقنه الحليق، توضحته فتبينت في أسارير وجهه قصة طويلة، إلا أنها خفية المعنى، عديمة الإبانة، غامضة الإشارة فألقيت عليه تحية المساء ثم سكت عله يبدأ الحديث ولكنه ظل مبرطما، ينكث السجادة بعصاه دون أن ينبس ببنت شفة فتنهمت كعادتي؛ فحدجني بنظرة شزرة حسبت فيها سخط الإنس والجن ثم اخذ يتثاءب ويتمطى فكأنما كان يحمل حملاً ثقيلاً أزيح عنه بالتثاؤب، إذ انبسطت أسارير وجهه، وزال برطامه، ولكنه ظل مع ذلك مطرقاً لا يتكلم فاستثقلت جلسته - كما قد يستثقل القارئ هذا الحديث - وقلت لنفسي لا بد من أن استدرجه إلى الحديث وإلا فهذا المجلس المكروه إن طال سيضيق عطني ويستفز كامن عصبيتي، فاهتبلت فرصة تثاؤبه وابتدرته بالحديث قائلاً:
- الحمد لله على سلامة الشيخ
- وهل يعرف المتعلم رباً فيحمده؟. . . أنت ملحد. . . كافر. . . درزي لا دين لك