لم يسعدني الحظ بأن اقرأ في مجلة الثقافة بحث الأستاذ الجليل معالي
عبد العزيز فهمي باشا في مسألة تعدد الزوجات، ذلك البحث العظيم
الذي عددته أنت (حدثاً في الفكر الإسلامي)، ولكني سمعت بتلخيصك
له وتعليقك عليه في (الرسالة) الغراء.
وقد استرعى انتباهي في هذا الموضوع نقطة واحدة، هي من البحث كله بمنزلة الأساس من البناء؛ تلك هي تفسير الأستاذ الجليل لقول الله تبارك وتعالى (مثنى وثلاث ورباع)، إذ أنه ذهب في هذا التفسير مذهباً لم يسبقه إليه سابق فيما أعتقد، فقد ذكر (أن الكلام في الآيتين (وآتوا اليتامى أموالهم. . . وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) سوق لتحقيق فضيلة العدل في المعاملة) بتحذير الأوصياء من الوقوع في الإثم العظيم بأكل أموال اليتامى ظلماً. . (ولما كان بعض اليتامى إناثاً في حجر المخاطبين، وكان لهن أموال تحت يدهم، وكان من عاداتهم السيئة أنهم يتخذون هؤلاء اليتامى زوجات لهم ويمسكونهن هن وأموالهن ضراراً، وكان هذا أشنع مظهر من مظاهر أكل مال اليتامى - فتعميماً لفكرة تحقيق العدل (في الآية الأولى) وتثبيتاً لها أشار (في الآية الثانية) إلى هذا المنكر، وأنى بأبلغ ما يكون من القول لصرفهم عنه؛ إنه يقول لهم: إذا فهمتم قولي في الآية السابقة، وعلمتم أن أكل مال اليتامى مطلقاً (من ذكور وإناث) إثم كبير، فلا تتذرعوا إلى هذا العبث بنكاح اليتيمات اللاتي في حجوركم، بل تعففوا عن نكاحهن المفضي بكم إلى أكل أموالهن، ولديكم ممن تستطيبوهن من غيرهن من النساء كثيرات، تستطيعون أن تنكحوا منهن ما تشاءون، لا واحدة ولا اثنتين (واحدة بعد أخرى)، ولا ثلاثاً (واحدة بعد الاثنتين الأولين)، بل حتى مثنى وثلاث ورباع، أي جزافاً بلا حساب ولا عدد).
وقد غضضت النظر عن كل ما قاله المفسرون في تفسير هاتين الآيتين، وما استشهدوا به من كلام الرسول الكريم وعمله، وما نقلوه من أقوال الأئمة عن الصحابة والتابعين،