ونظرت إلى المعنى مجرداً كما فسره الأستاذ الجليل، فإذا هو يتلخص في أن الله سبحانه وتعالى ينهى الأوصياء من المسلمين عن أكل أموال اليتامى ويحذرهم أن يحتالوا على أكل أموال اليتامى القاصرات بالزواج منهن، ويقول لهم: إن من الخير لكم أن ترعبوا عن هذا الزواج الذي يفضي بكم إلى الإثم العظيم، إلى زواج لا إثم فيه ولا حرج، فإن كنتم لابد راغبين بالزواج فأنكحوا ما طاب لكم من النساء من غير هؤلاء القاصرات، فإنكم واجدون بدل الواحدة اثنتين وثلاثاً وأربعاً وعدداً لا يحصى ولا يعد.
فليست الآية مسوقة في رأي الأستاذ الجليل لتحديد عدد الزوجات، ولا لإباحته بأكثر من واحدة، إنما هي مسوقة لتحذير الطامعين من الأوصياء في أموال اليتامى والمحتالين لأكلهم بحيلة الزواج منهن: ولفت أنظارهم إلى أن هذا التحايل لا يبعد بهم عن مزالق الإثم: فإذا كانوا راغبين في الزواج من أجل الزواج فالنساء من غير اليتامى كثيرات لا حصر لهن ولا عدد، فليختاروا منهن ما يشاءون، على أن لا يكون للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة.
فإذا كان الأستاذ الجليل يرى أن الآية لا تحمل معنى إباحة التعدد في الزوجات، وإنها لا تبيح للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة مهما طاب له من النساء، فما معنى قوله تعالى بعد ذلك: فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة؟ وما وجه الصلة بين هذا الشطر من الآية وبين شطرها الأول وهو قوله تعالى وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع؟ أليس في الشطر الثاني من الآية ما يشعر إن لم يدل دلالة صريحة بأن شطرها الأول يحمل معنى إباحة التعدد حتى يمكن أن يكون للرجل عدد من الزوجات يطلب إليه العدل بينهن؟ وإلا فكيف يكون العدل ممكناً بين زوجة واحدة؟ وهل العدل إلا توزيع الحقوق بالقسط بين أصحابها؟ وإذا كان الله سبحانه لم يبح للرجل غير زوجة واحدة، فكيف يطلب إليه أن يقتصر على واحدة إذا خاف ألا يعدل؟ أليس هو مقتصراً على واحدة بحكم القانون الذي شرعه الله له؟ وهل يستقيم نهج الكلام إذا كان المعنى كما يقول الأستاذ الجليل: فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مقتصرين على واحدة فحسب فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة؟
أحسب أن نهج الكلام حينئذ لا يستقيم، واحسب أن الشطر الثاني بهذا التفسير يكون لغواً، وكلام الله تبارك وتعالى منزه عن اللغو.