ذهبت أمس إلى المدرسة الأمينية، وهي المدرسة الإسلامية التي انحطمت على جدرانها ثمانية قرون وهي قائمة، وماتت من حولها ثمانمائة سنة وهي حية، ونشأت دول وانقرضت، وبدئت تواريخ وختمت، وتبدلت الأرض وتغيرت، وهي ماضية في سبيلها، عاكفة على عملها، قد انقطعت عن الأرض من حولها، واتصلت بالسماء من فوقها، فعاشت في سماء العلم والناس يعيشون في أرض المادة. . .
دخلتها فإذا هي صامتة ساكنة، لا يسمع في أبهائها صوت مدرس بدرس، أو دارسين بتلاوة، وإذا في كل فصل من فصولها رهط من التلاميذ، متفرقون في زوايا الفصل، لا تنفرج شفاههم عن بسمة السرور، ولا تلمع عيونهم ببريق الجذل، وإذا الأستاذ صاحب المدرسة قابع في غرفته، يفكر حزينا، وينظر آسفا؛ وهو الذي لم يأل العمل جهدا، ولم يسيء بالله ظنا؛ فلما رآني قام إلي يحدثني عن المدرسة، ويعلمني علمها، فإذا المدرسة قد زلزلت في مطلع هذا العام المدرسي، لأن الناس قد مالوا عن المدارس الإسلامية وزهدوا فيها، وزاغوا إلى المدارس الأجنبية وأقبلوا عليها، وضنوا على مدارسنا بدينار واحد في العام، ليمنحوا تلك ثلاثة أرباع الدينار في الشهر. .
وأفاض الأستاذ في البيان، حتى امتلأت نفسي حزنا، فخرجت حزينا فمررت على (الكاملية) فإذا هي في خطب أشد، ومصيبة أفدح، فجزت بـ (الجوهرية) فإذا هي ماتت بعد شيخ الشام، الشيخ عيد السفر جلال، وإذا فيها بنات يقرأن ويصحن ويلعبن، فسلكت على (التجارية) فإذا دارها الكبيرة في زقاق الفخر الرازي، خلاء قواء، وإذا هي قد انتقلت إلى الخيضرية فاتخذت فيها دارا، ورأيت (الجقمقية) القاعة التاريخية الجميلة، والمدرسة الأثرية الجليلة، فإذا هي قد اتخذت دارا. . .
فذهبت وأنا أحس الألم يقطع في كبدي، والأسى يحز في قلبي، ووددت لو أن الله قبضني إليه قبل أن أرى مدارسنا الإسلامية، لا تستطيع أن تعيش في البلد الإسلامي، ولا تجد من يشد أزرها، ويأخذ بيدها. . . وأممت شارع بغداد أروح عن نفسي بخضرة البساتين،