للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وجمال الكون، وانطلاق الهواء، ومنظر الجبل، فما راعني إلا أفواج من الناس قد ازدحمت على باب بناء كبير، كأنه قلعة من القلاع، أو قصر من القصور، حتى لقد كادت تسد بكثرتها الشارع العريض: ما راعني إلا الناس على باب (مدرسة اللاييك)، يتدافعون ويتزاحمون، كأنهم على باب الجنة، فكل يطمع أن يسبق إليها، وكلما فتح الباب لواحد، لحظته العيون بالغيظ، ورمقته بالحسد. . . فسألت قوما أعرفهم ينظرون كما أنظر، ماذا هناك؟ فقالوا: هم المسلمون يريدون يسلموا أبناءهم إلى رجال اللابيك ليصبوا في قلوبهم ما يشاؤون من عقائد باطلة في الدين، وعواطف زائفة في الوطنية، وزهادة في اللغة، وكره للتاريخ الإسلامي، والقومية العربية، ويدفعون إليهم الأموال الطائلة، وما يشترون بها إلا الكفر لأبنائهم، والزيغ والإلحاد، وحب الغريب، وبغض القريب، وما يشترون بها إلا أعداء لهم ولأوطانهم، يحاربونهم في دورهم، ويغزونهم في أخلاقهم وعقائدهم، وهم قد انحدروا من أصلابهم، وخرجوا من ظهورهم؛ أفرأيت بلاء أشد، وخزيا أكبر، من أن يحاربونا بأبنائنا، ويأخذوا على ذلك أموالنا؟. . .

فقلت: لا والله! وسرت، أخشى أن يتمزق والله من الألم كبدي، فمررت على (مدرسة الفرير) فإذا الجموع أكثر، والازدحام أشد، والمسلمون يرجون الخوري. . . أن ينسي أبناءهم القرآن، ليحفظهم الإنجيل، ويبغض إليهم محمدا وأبا بكر وعمر، ويحبب إليهم بطرس ولويس ونابليون. . . فسرت مسرعا، لا يطول بي وقوف فتحرقني نار الحزن، وأخذت طريقي إلى مدرستي، أسلك إليها سارع البرلمان، فإذا على باب (مدرسة الفرنسيسكان) أمام الكنيسة الفخمة، جمهور من المسلمين لا يحصيهم عد، يأخذون بأيدي بناتهم، ليدخلوهن إليها. . . فعدت أدراجي إلى شارع الصالحية فأخذت حافلة (الترامواي) إلى مدرستي في حي المهاجرين، في لحف جبل قاسيون

ولم يستقر بي في المدرسة مقام، حتى أقبل علينا شيخ من مشايخ المسلمين، على رأسه عمة بيضاء كأنها برج، وحول يده كم كأنه خرج، تتدلى منه سبحة لا يفتأ يعد حباتها ويلعب بها، وقد يخطئ مرة فيسبح عليها، يجر بيده ولدا، فخذاه مكشوفان وعلى رأسه كمة فقلت له:

- ما هذا يا شيخ؟ أعورة من أعلى، وعورة من أسفل؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>