للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في ميدان الاجتهاد]

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

أستاذ الأدب العربي بكلية اللغة العربية بالأزهر

كيف منع الاجتهاد

ينشد المسلمون الإصلاح في هذا العصر، وتنشده جامعتهم الأزهرية الكبرى في مصر، ويعالجون في سبيل ذلك طرقاً ملتوية يمشون فيها إلى أن تنتهي بهم إلى أسوأ مما كانوا فيه، فتعلو كلمة الجامدين بالرجوع إلى قديمهم الممقوت، ويوافقهم على ذلك بعض من يتظاهر بحب الإصلاح إذا أقبل عهده، ويخفى في قلبه كرهه وبغضه. ولو أنعم هؤلاء الناس النظر لرأوا الذنب في لذلك يرجع إلى تلك الطرق الملتوية، لا إلى الإصلاح المنشود الذي دعا إليه جمال الدين الأفغاني والأستاذ الإمام الشيخ محمد عبدة، وغيرهما من كبار المصلحين في هذا العصر.

وهذا الإصلاح المنشود يتلخص في كلمتين: فتح باب الاجتهاد في علومنا عامة والعلوم الدينية منها خاصة، وتأليف كتب جديدة في هذه العلوم تسري فيها روح الاجتهاد بدل تلك الكتب الميتة الجامدة؛ أما ما عدا ذلك من أمور الإصلاح فمن الأمور الكمالية ألقى ضرنا الاهتمام بها أكثر من هذه الأمور الأساسية.

ولست بسبيل الكلام في هذا الإصلاح فقد قطعت شوطاً من حياتي في الجهاد فيه، حتى آل الأمر بنا إلى تلك الطرق الملتوية، ووجدت في ذلك غرائب وعجائب صرفتني عن العناية بذلك الأمر إلى أمور أخرى في العلم والأدب؛ وقد حاورت فيها أناسا آخرين وحاوروني، فوجدت علماء الأدب أكرم الناس أخلاقا، وأسلمهم طوايا، وأطهرهم أقلاما، ووجدت الخير فيهم مرجوا، والشر منهم مأمونا؛ ولست أدري وقد تركتهم إلى هذا الموضوع الديني الخطير أأجد أقلاما مثل أقلامهم، ونفوسا سمحة مثل نفوسهم، أم أجد النفوس لا تزال على عهدي بها، وإن تظاهرت بحب الإصلاح والانتصار له؟ وقد أكون مخطئا في ظني، وأرجو من الله أن أكون مخطئا فيه، وأن نكون قد بدلنا نفوساً أخرى تبحث مثل هذه الأمور المهمة في هدوء، وتعرف الصواب للمصيب فلا تحسده عليه أو تتعامى عنه، وتحسن الظن

<<  <  ج:
ص:  >  >>