إنما يقصد الأديب فيما ينشئ إلى التعبير عن شعوره وأفكاره لأنه يحس حافزاً يدفعه إلى ذلك التعبير، ويشعر براحة وغبطة إذا ما طاوع ذلك الحافز، بيد أنه يتأثر في كل ما يحس ويفكر ويكتب ببيئته الجغرافية ووسطه الاجتماعي وجيله الذي يحيا فيه، لا ندحة له مهما بلغ من استقلال الشخصية والأصالة في الابتكار عن التأثر بكل ذلك، بل لا نغالي إذا قلنا إن عبقرية الأديب ليست إلا مجموعة مؤلفة من تلك العوامل، والأديب الذي يعتزل مجتمعه لا يتأثر به سائر أدبه إلى الاضمحلال وأن يكون سطحيً، وكلما كان الأدب صادقا حيا كانت صلته بمجتمعه شديدة التوثق، وكان هو مرآة لذلك المجتمع واضحة، وإن لم يمنعه ذلك أن يزخر بآثار الفردية القوية والشخصيات المتميزة
فالأديب يتأثر بالمجتمع تأثراً تلقائيا غير مقصود ولا محسوس أحياناً، ثم هو يتأثر به تأثرا واعيا مقصودا، وذلك حين يلجأ الأديب عمدا إلى وصف ما يحيط به من أحوال المجتمع، وما يحمد منها وما يذم، ومن يصادفهم ويخالطهم في المجتمع من أفراد ذوي خلائق متباينة، يلذ للأديب أحيانا عرض كل ذلك في أدبه كما تعرض الصور والدمى في المعارض والمتاحف، ويغتبط أي اغتباط بقدرته على تصوير ما راعه من تلك الحقائق والسلائق على ما هي عليه، وقد يزيد فيجلوها في مجلا الفكاهة والسخرية، أو يزيد فيندد بما يرى من مساوئ ويدعو إلى الإصلاح ويوضح وسائله، ويؤلف لنفسه مبادئ يرضاها في السياسة والاجتماع والاقتصاد والدين وهلم جرا، ولا يعود معبرا عن شعور الفرد فحسب، بل يصبح قائد فكر بين الجماعة كذلك
هكذا يصبح للأدب غرض اجتماعي إصلاحي، ولا ريب أن غرض الأدب الأول هو غرض كل الفنون، من التعبير الصحيح عن صادق الشعور بحقائق الحياة وجمالها، فإذا ما ظهر بجانب ذلك غرض اجتماعي أصبح للأدب غرضان، بيد أنهما لا يتنافران بل يأتلفان في يد الأديب القدير أحسن ائتلاف، ويصوران الحياة أصدق تصوير وأجمله، أما في يد الداعية المتحمس لدعوته الاجتماعية دون كبير احتفال بجمال الفن وروعة الأسلوب،