قد انتهينا في الأدب إلى نهاية صحافية عجيبة، فأصبح كل من يكتب ينشر له، وكل من ينشر له يعد نفسه أديبا، وكل من عد نفسه أديبا جاز له أن يكون صاب مذهب وأن يقول في مذهبه ويرد على مذهب غيره
فعندنا اليوم كلمات ضخمة تدور في الصحف بين الأدباء كما تدور أسماء المستعمرات بين السياسيين المتنازعين عليها، يتعلق بها الطمع وتنبعث لها الفتنة وتكون فيها الخصومة والعداوة، منها قولهم: أدب الشيوخ وأدب الشباب؛ ودكتاتورية الأدب وديمقراطية الأدب، وأدب الألفاظ وأدب الحياة، والجمود والتحول، والقديم والجديد. ثم ماذا وراء ذلك من أصحاب هذه المذاهب؟
وراء ذلك أن منهم أبا حنيفة ولكن بغير فقه، والشافعي ولكن بغير اجتهاد، ومالك ولكن بغير رواية، وابن حنبل ولكن بغير حديث. أسماء بينها وبين العمل أنها كذب عليه وأنه رد عليها. وليس يكون الأدب أدباً إلا إذا ذهب يستحدث ويخترع على ما يصرفه النوابغ من أهله حتى يؤرخ بهم فيقال أدب فلان وطريقة فلان ومذهب فلان، إذ لا يجري الأمر فيما علا وتوسط ونزل إلا على إبداع غير تقليد، وتقليد غير اتباع، واتباع غير تسليم؛ فلا بد من الرأي ونبوغ الرأي واستقلال الرأي حتى يكون في الكتابة إنسان جالس هو كاتبها، كما أن الحيَّ الجالس في كل حي هو مجموعه العصبي، فيخرج ضرب من الآداب كأنه نوع من التحول في الوجود الإنساني يرجع بالحياة إلى ذرات معانيها، ثم يرسم من هذه المعاني مثل ما أبدعت ذرَّاتُ الخليقة في تركيب من تركيب، فلا يكون للأديب تعريف إلا أنه المقلد الإلهي.
وإذا اعتبرنا هذا الأصل فهل يبدأ الأدب العربي في عصرنا أو ينتهي؛ وهل تراه يعلو أو ينزل؛ وهل يستجمع أو ينفض؛ وهل هو من قديمه الصريح بعيد من بعيد أو قريب من قريب أو هو في مكان بينهما؟
هذه معان لو ذهبتُ أفصلها لاقتحمت تاريخاً طويلا أمر فيه بعظام مبعثرة في ثيابها لا في