يا أيها المستمعون ألي، مقبلين علي، ويا أيها السامعون وهم معرضون، يلهون في القهوات أو يتبخترون في الطرقات، إلى العالم في مكتبه، والعامل في معمله والمرأة في بيتها، والطفل في مدرسته إلى من يتفيأ الظلال من جنات الشام، ويترشف الزلال من نيل مصر، ومن يتنعم بفي النخيل على شط دجلة، ومن يضحي بشمس القفار من فلوات حجاز، ومن شرق من العرب ومن غرب. . .
يا أيها العرب جميعا. . . هل تدرون ما هو أعظم خطب يمكن أن ينزل بنا. وما هي أدهى مصيبة يخشى أن تصيبنا؟ لا، ليست الاستعمار الأجنبي، فسنجاهد حتى لا يبقى في ديار العروبة، ومنازل الإسلام غاصب أجنبي، وليست مشكلة إسرائيل، فسنحارب حتى نسلم (إسرائيل) إلى عزرائيل، ولكن المصيبة أن نكفر بأنفسنا، وان نجهل أقدارنا، وان لا نعرف فوق الأرض مكاننا، وان نحسب إننا خلقنا لنكون أبدا أضعف من الغربيين، وأجهل منهم، وأن ننسى أن أجدادنا لما خرجوا يفتحون الديار، كانوا أقوى منا على عدونا، وأنهم أقدموا بسيوف ملفوفة بالخرق على عدو كان أكثر عددا وأقوى عددا واضخم عمرانا، وأكثر علما ومالا. فظفروا به، وانتصروا عليه. وأن الأيام دول، والدهر دولاب، يهبط العالي، ويعلو الذي هبط، ويذل العزيز، ويعز الذي ذل، وإن دار علينا الدهر حينا، فافترقنا وتباعدنا، ولفنا بعد إشراق النهار ليل مظلم، أغمضنا فيه عيوننا، وأغمدنا فيه سيوفنا، فلم نبصر اللص يدخل علينا، ولم ننهد إليه لنرده عنا، وحسبنا لطول الليل أن لا صباح له، فقد طلع الآن الصباح، وانقضى الليل، وهب النائمون يمشون إلى الأمام. . .
إلى الأمام! وإلا فما هذه الثورات، وما هذه الوثبات؟ وما هذه الوحدة في العواطف، حتى لتهتز الشام لكل حادث في العراق، وتغضب مصر لكل عدوان على الشام، ويثور المشرق لنصرة المغرب، وتقوم مراكش لتأييد أندونسيا، وتهب الباكستان للدفاع عن فلسطين؟
إلى الأمام! وإلا فما لمصر، صارت فيها الفكرة العربية دينا وكانت من قبل تعيش عامتها في ظلام العزلة، وتحيا (بعض) خاصتها في ضلال الفرعونية؟
إلى الأمام وإلا فهل كانت تظن فرنسا ويظن عبيدها أن سيقطع الله دابرها من سورية ومن