(هتاف الجماهير) للأستاذ أمين يوسف غراب، ومجموعته تشتمل على خمسة عشر قصة لن يتسع لي المجال للتعرض لها كلها، وأعتقد أن مجموعته في الطليعة عندما يصح أن نختار قصصاً نضعها بكل فخر جنباً إلى جنب مع القصص الأجنبية القوية، كما أنها تتسم جميعاً بأسلوب بارع الوصف، كما أن الكاتب متأنق في اختياره لألفاظه أناقة محببة غير متكلفة، ويأخذك من تعبيراته عطر قوي نفاذ. . . لعله عطر المرأة التي تأخذ دوراً هاماً في أكثر قصصه.
وإليك قصة (طريق الدنس) وهي قصة امرأة ناضرة ناضجة شغل عنها زوجها بسهراته خارجا - فماذا قالت لنفسها وماذا قالت المرآة لها في خلوتها. . . فكرة بسيطة في حوادثها. . ولكني أؤكد أنها في تحليلها لعواطف المرأة لا تقل عما يكتبه مارسيل بريفو، وفي قوة وصفها تقف بكل فخار بجوار قصص موباسان. ليس في القصة حوادث أو حركة كبيرة بل تعتمد على (الحركة النفسية) التي هي موضوع القصة. وذلك شأن القصص الروسية الخالدة التي نعتبرها مثالا في القصص العالمية.
كذلك قصة (الأستاذه) وهي محامية كتبت عواطفها الحارة كامرأة، وتجاهلت نضج ثمارها كشجرة يانعة، فأخفت تلك العواطف وتلك الثمار، تحت رداء المحاماة القاتم، وتكلفت الجد الذي هو بعيد كل البعد عن طبيعتها المشرقة ومضت في الحياة عاملة كرجل. . . ولكن إلى متى يمكنها أن تمضي متجاهلة النداء؟
وأما قصة (البلبل والحمامات السبع) فتصور حياة سبع مدرِّسات في مدرسة إقليمية شاءت مديرتها أن تجعل منها ديرا منعزلا عن الحياة والأحياء - وعلى الأخص ذلك الجنس الآخر مصدر الشر وهو الرجال - فيعشن في سلام معيشة الراهبات.
وليست العبرة عند الكاتب في حوادث القصة. ولكنه يعالج فكرة قد تظهر بساطتها عند تلخيصها. ولكنك ترى عمقها في تحليله وروعتها في عرضه. كما أنه يرتفع في وصفه في هذه القصة إلى درجة عالية من البيان، وقد وصف لنا الرئيسة محللا نفسيتها بأنها امرأة