للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تأملات]

للأستاذ محمود الدسوقي

خابت آمالي إلى اليوم مرات، فكانت مرة تذهب بقطعة من نفسي. وأمس تلقيت الدرس الذي لم يكن مفر من تلقيه، فالحقائق تؤلم وتصدم وتدمى في بعض الأحيان، لكن فيها شفاء للنفس بعد حين، وقد تركتني صدمة الأمس صريعاً بين التي أحببتها حتى العبادة، والتي وددتها حتى الحب؛ وجرح مصاب الأمس كبريائي، وعفرني بالتراب، وأطلعني على الخفي الذي عز إلى الآن على الأوهام

أنت يا فتاتي قاسية لأنك قديسة، رحمة مع ذلك لأنك من بنات حواء، وقد تركتك بالأمس لا أعلم، أإلى تلاق أم تطغى كبريائي على حبي فيكون الفراق، والفراق مرُّ أمرُّ منه أن نلتقي بعد الآن

لقد حاولت جهدك أن تكوني مهذبة معي إلى غاية حدود التهذيب، لكنك لم تحاولي مرة أن تكوني لطيفة

كان وجهك كقطعة من المرمر؛ ناعم الملمس بارده، وكان مثله تتخلله تلك المعاني الكامنة فيه، ولا يدلني على شيء يهديني إلى الصواب. شئت به الإنذار فكان، وشئت به الإخطار فكان؛ ثم حاولت أن أتلمس في معنى من معانيه غرائز، فألفيته فيه، لكني لم أنته إليه، فبيني وبينه ذلك السطح المتجمد من العاطفة الجائشة فيما يليه

هذا هو فن المرأة التي لم تتعلم ضبط النفس من أمها حواء، وإنما تعلمه من غباوة الأبناء، أبناء أبيها آدم، وقد كنت معها غبياً إلى حد، ذكياً إلى حد؛ لكن الخرق يعلق بالحكيم، ولا تذهب الحكمة بالخوف العالق

ترى لو رأيتك اليوم ما أنا فاعل؟ أكبر الظن أني سأحاول أن أكون فظاً، فلا أغدو أن أكون متهالكاً ضعيفاً، وسوف تعود المياه فيما أتوقع إلى مجاريها، وأعاود خرقي، وتعاودين دروسك، ولن أفوز يوماً برضاك المحض، ولن أعود أبداً بجفاك المحض، وهذا مبعث تعاستي وهنائي

حاولت بالأمس، وإني لمنصرف عنك مطرق الرأس، أن أرفع فيك عيني، وفكرت في تحيتك فلم أفعل، وكنت أنت متغافلة عني تأملين بقائي ولا تحاولين استبقائي حتى تواريت.

<<  <  ج:
ص:  >  >>