هو قلب صديقي الشاب الأديب الطالب بإحدى كليات الجامعة وهو من البراعم الأدبية التي يرجى من نضجها ثمرات، كما ترى من رسالته هذه التي كتبها إلي، قال:
أكتب إليك وأطيل، لأن على شفتي بسمات تريد أن تنطلق بين يديك، ولأن بين جفني عبرات تريد أن تنسكب على راحتيك ولأن بين ضلوعي تختنق كلمات، وتحتبس أنات. .
وأسألك أن تقرأ كتابي على مهل. . على فراغ بال وهدوء حال. وقد يبدو الأمر في أوله تافهاً، وقد يبدو مسلياً، وقد لا يبدو تافهاً ولا مسلياً. . تعروه مسحة الجد تخضبه آية الصرامة وإن الموجة لتملأ عرض البحر إذا وقع فيه حجر، ومعظم النار من مستصغر الشرر. وهاأنذا أنثر مكنوني قبل أن يستشري فيستعصي، عساك تطب له بمبضعك. وأظن أنه لا يخفى عليك الآن أنها أعراض حب - يا طبيب النفوس - ولكنها أعراض اختلطت علي حتى حسبتني منها معافى. . فسرت في طريقي لا أحنف عن الجادة، حتى ارتطمت بصخرة الحق الصليبية، فرجعت أدراجي، تولول في جانبي الحيرة، وتفهق في حشاي الظنون. وليس الحب علي بغريب. . بل إن عهدي به لقريب، وأوشك أن أقول ما قال أبو الطيب:
أبنت الدهر عندي كل بنت ... فكيف وصلت أنت من الزحام
ألا ترى معي أن الحب حمى! وأنه من بنات الدهر! ويالهن من بنات!!
هذه هي البسمات التي تريد أن تنطلق بين يديك. ودونك العبرات.
ويبسط لي الصديق قصته مع فتاة تزامله في الكلية وتصادفه في بعض الأوقات بقطار الضاحية التي يسكنها، ويقول أنه جلس مرة في القطار متعباً لا يكاد يتبين من بجانبه، ولما وصل البيت وخلع ثيابه وقعت منها على الأرض ورقة التقطها فوجد فيها:(أحبك. أحبك. أحبك - أنا) ثم يقول: (ابتسمت وأيم الحق، وعاثت أناملي بالورقة الدقيقة الرقيقة، فصارت لقى على صفحة الإهمال. . ولم أكن أدري أن هذه الورقة الصغيرة ستثأر لعرضها الممزق وشرفها المهان. فقد انسربت مادتها إلى واعيتي الباطنة، وأخذت تفرخ وتتكاثر حتى