للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من الأدب الإنكليزي]

برسي شلي

-

بقلم خليل جمعه الطوال

لشلي فكرةٌ متوقدةٌ، وعاطفةٌ ذائبةٌ، بل قلب يجيش بالوجدان الحي، ونبع يتفجر بالشعور الصادق، فقد كان شاعراً من أفذاذ الشعراء مشبوب المخيلة، وكاتباً متضلعاً من الكتابة، نظم وكان لا يزال في غضارة الصبى، عديد القصائد التي ما زلنا نطالعها، فندرس فيها مثال الحياة الأعلى، وكمال النفس الأسمى، ونمق كثير المقالات التي ما زالت، ونحن نتصفحها، تحدث في مشاعرنا ضروباً شتى من التأثير والانفعال، فلا عجب إذا كتب لشعر الخلود والبقاء، وسجل لاسمه صفحة حافلةً بجليل الأثر في سجل الزمن وتاريخ الأدباء.

توفي شلي، وكان لا يزال من العمر في مقتبله، وقد أقبل الأدباء على أشعاره يتدارسونها، وهرع النقاد إلى عيوبه وسقطاته يستقصونها، فما كان لأولئك وإن أعياهم الدرس أن يبلغوا شأو غايته، ولا لهؤلاء وإن أعماهم التغرض أن يضعوا من مقدار عظمته. لقد اختلفت فيه المذاهب وتناحرت عليه الآراء، فمنهم من نسى أو تناسى وفاته الباكرة وحياته القصيرة، وراح يبحث في أشعاره عن آية القدر وأعجوبة الزمن، فلما لم يجدها تناوله بألسنة حداد ودحضه بشتى الأحكام الجائرة، بعد أن خضَّل جدثه بوابل من المثالب الجارفة، التي يترفع عنها الأدباء وتنبو عن سماعها آذان الحكماء، وبعد أن نال من سمعته وحط من مكانته ما شاءت له رغائبه وسولت له أهواءه.

وتمثل لهذا النفر من الرجال الذين أعماهم التغرضُ الممقوت (بوليم هزلت) ولوليم هذا مكانة في الأدب، مرموقة بالأنظار، محفوفة بالاحترام والوقار، وخليقة بعدم التحامل السفيه، وبالأعراض عن التشيع الكريه، ومنهم من أسدل على هفواته - وجل من لا يهفو - ستر الجهل وقناع التجاهل تشيعاً للرجل لا للحق، وراح ينشد آياته البينات، ويتغنى بأشعاره النيرات، كتوماس أرنولد، وكان من معاصريه ومناصريه. وهكذا فقد كانوا فيه جميعاً بين القائل من كرامته لم يسلم من الإسراف والتحذلق، أو مطنبٍ في مدحه لم يسلم من آفة الغلو والإغراق.

<<  <  ج:
ص:  >  >>