للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[صديق!]

للأستاذ علي الطنطاوي

أستأذن أستاذنا المازني فأستعير منه تلك الكليشيه المعهودة التي كان يصدر بها مقالات ذات الثوب الأرجواني، لأقول: إن المقالة خيالية لا حقيقة، وأؤكد هذا للقراء!

(علي)

قال:

. . . لا أدري كيف عرفته، ولا أعلم السبيل التي دخل منها إلى قلبي؛ فاحتل فيه هذه المنزلة، ولم أنتبه له إلا وهو ملء سمعي وبصري وعقلي. . .

وإنني لأعرفه منذ عشرين يوماً، ولكني أحاول عبثاً حين أحاول ادكار بدايتي معه، لأنه عماد حياتي؛ لا أستطيع أن أتصور لصلتي به بداية؛ عرفته يوم عرفت الدنيا؛ لم أجهله قط ولم أنفرد عنه ساعة؛ وهو دنياي، إن لقيته لقيت الحياة، وإن نأى عني وجدت كل شيء في الحياة ميتا.

ولست أدري أي صلة هذه، ولا أعرف لها تحديداً مضبوطاً، ولكن الذي أدريه وأعرفه أنه ليس له في أعماق قلبي إلا الصداقة. إنني لم أنظر إلا إلى روحه، بل أنا لا أقدر أبداً أن أتخيله بشراً من لحم ودم. إنني أراه فكرة سامية، صورة شعرية بارعة، معنى من المعاني العبقرية. . . إنني أراه وحده معنى كلمة الوجود. . . لقد ضاعت معه حدود شخصيتي، ومحيت معالمها، فلم أعد أعرف أين أنتهي (أنا)، وأين يبدأ (هو)، وامتزجت نفسي بنفسه، فكأني (أنا من أهوى ومن أهوى أنا. . .)، وكدت أقول بالحلول، وأرتكب هذه الحماقة الكبرى، التي لا يقول بها ذو عقل. . . حين رأيتني أضحك إذا سر (هو)، وأحزن إذا تألم، وأشبع إذا أكل، وإذا أصابه الصداع وجعني رأسه، وإذا رأى (هو) حلماً هنيئاً تبسمت وأنا غارق في منامي، أجد اللذة الكبرى في رفاهيته وراحته، وآلم لشقائه أكثر مما آلم لشقائي، وأريد أن أمنحه صحتي وحياتي وكل ما أملك؛ أريد أن أفني فيه ولا أجد في شيء من ذلك عملاً كبيراً، ولا أحس أني مقدم على تضحية، لأنه اندمج في أعمق عاطفة من عواطفي، ونزل إلى أبعد غور من نفسي، وسيطر على قواي كلها، فلم يبق لي عاطفة مستقلة أو حاسة حرة أفكر بها فيه، وأزن صلتي به. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>