كانت ليلة الثاني عشر من ربيع الأول - ليلة مولد النبوي الكريم - دائماً من المواسم والأعياد المشهودة في جميع الأمم الإسلامية؛ ومازال مولد النبي العربي من الذكريات الخالدة في المجتمع الإسلامي؛ ولكن الاحتفال بذلك الحادث العظيم في تأريخ الإنسانية كان يقترن في العصور الخالية، أيام عز الإسلام ومجده، بضروب من الجلال والبهاء والبذخ، ذهبت بها حوادث الزمن وتقلباته، وما انتهت إليه الأمم الإسلامية من الاضمحلال والتأخر. وقد بدأ هذا الاحتفال المقدس في عصر الإسلام الأول بسيطاً متواضعاً، كباقي المواسم والاحتفالات الدينية، فلما بلغت الخلافة ما بلغت من العظمة والبهاء، ظهرت فخامة الملك وروعته في الأعياد والحفلات الرسمية، وجرت الشعوب على سنة ملوكها وأمرائها في هذا الموسم من الظهور والبذخ. وكان شأن مصر الإسلامية في ذلك شأن باقي الولايات الإسلامية في عصر الخلافة الأول من بساطة في الرسوم والمظاهر؛ فلما استحالت مصر من ولاية خلافية إلى دولة مستقلة في عهد بني طولون وبني الأخشيد وقامت فيها قصور ملوكية باذخة، ظهر أثر هذا الانقلاب في رسوم الدولة ومظاهرها العامة، وغدت المواسم والاحتفالات الدينية حوادث عامة يحييها الشعب، كما تحييها الحكومة في كثير من الرونق والبهجة والحبور.
وقد بلغت هذه المظاهر والرسوم الفخمة ذروة البهاء والروعة في عهد الدولة الفاطمية، وكانت هذه الدولة القوية الشامخة تتخذ من المواسم والأعياد الدينية والقومية فرصاً للظهور في أبدع مظاهر القوة والغنى والترف، وتغمر الشعب في هذه الأيام المشهودة بوافر بذلها وعطائها؛ فكان الشعب يستقبل هذه المواسم باهتمام وحماسة ويكثر فيها من الاحتشاد والإنفاق والمرح، تشجعه الدولة على ذلك وتحثه بقدوتها ومثلها. وكان للاحتفال بهذه المواسم رسوم وتقاليد معينة تختلف باختلاف أهميتها الدينية أو القومية. وقد بلغت في ظل الدولة الفاطمية من الكثرة والانتظام ما لم تبلغه في أية دولة إسلامية أخرى. ذلك أن الخلافة الفاطمية شرعت لنفسها، إلى جانب الأعياد الدينية المأثورة، أعياداً خاصة بها