للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وللآخرة حقها؟

أي دين غير الإسلام فيه الوحدانية في الإيمان، والشورى في الحكم، والاخوة في الحياة، والجهاد في المبدأ، والقوة والاعتدال في كل شيء؟

أي دين غير الإسلام يحل المشكلة الاجتماعية الكبرى، التي ولدت الشيوعية والفاشية والنازية، وستلد الموت الأحمر، والخراب الأكبر؟

إن العظماء كثيرون، ولكن العظيم عظيم في ناحية، صغير في سائر النواحي، فهو عظيم في العلم، أو في الحرب، أو في الأدب، أو في السياسة. أما محمد فعظيم في كل شيء.

وآثار العظماء في البشر واضحة جلية، ولكن لم يعمل أحد أجل ولا أجمل مما عمل محمد.

نفخ في هذه البادية القاحلة، وهذه الأمة المتفرقة الجاهلة، فاخرج منها أمة قوية عالمة عاملة. . . حملت مشكاة النور، في وقت عم فيه الظلام، وبنورها اهتدى ويهتدي كل إنسان في كل مكان إلى آخر الزمان، ولولا محمد ما كانت أوربة ولا الأميركتان!

كانت الدنيا في نظر قريش مكة، كما أن الدنيا في نظر الفرنسيس باريس، ولكن دنيا محمد أوسع، ومحمد لا تسعه مكة، فأم غار حراء ليشرف على الأفق الواسع، ثم سما على معراج إلى السماء، فرأى الأرض كيراعه مضيئة، فاستصغرها، ولم يحفل بما عليها من ذرات هينة. .

هكذا عاش محمد، وهكذا انتقل

عاش محمد في الأرض وهو أكبر من الأرض، وترك في الأرض أثراً أكبر من الأرض، ولم يعرفه في الأرض أحد من أبناء الأرض - ذلك لأنه كان كما قال لامارتين:

(فوق البشر، ودون الإله، فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم)

علي الطنطاوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>