للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[العلوم]

الرياح

للدكتور محمد عوض محمد

لعلنا معشر المصريين من أقل الأمم اكتراثاً لأمر الرياح، نعيش حياتنا

كأننا لا يهب علينا إلاّ نسيم عليل أو ريح رخاء، لا نستثني من هذا

غير شهر أمشير الذي ننعته بالأرعن. ولا يلبث أن يمضي أمشير حتى

نتناسى أن في العالم عواصف وزوابع وأعاصير منها ما يثير التراب

وما يقتلع الشجر ويهدم المنازل والدور

على أن هبوب الزوابع حتى في بلادنا - بلاد النعومة والسهولة ليس بالشيء النادر. وكثيرا ما نحس في أمشير وغير أمشير من الشهور تلك الحركة العنيفة في طبقات الهواء، وأنها لتهيب بنا فجأةً ونحن عنها لاهون، فإذا أبوابنا تقرع بعنف. ونوافذنا تكسر، وإذا سحب من العشير المطّار تتخذ سبيلها إلى أعيننا وآذاننا وأنوفنا المرغمة.

وهذه الزوابع قد تدوم ساعة وبعض ساعة أو يوماً أو بعض يوم، ثم لا يلبث الهواء أن يعود نسيماً ولا تلبث الريح أن تعود رخاء، ونحن قوم سريعو النسيان ووطننا العزيز سريع الغفران.

ومع ذلك فما أجدرناأن يزداد اهتمامنا بأمر الرياح، فإنها من الأمور التي تعنى بها طوائف عديدة من الناس في كل زمن وكل بلد. فالشعراء مثلاً من أكثر الناس اهتماماً بالرياح. طالما ذكروها ونعتوها، وحملوها رسائل الغرام بل قد تبلغ بالواحد منهم الجرأة أن يحملها القبلات والآهات والأنات:

وإني لأستهدي الرياح سلامكم ... إذا أقبلت من نحوكم بهبوب،

وأسألها حمل السلام إليكم ... فإنْ هي يوماً بلغت فأجيبي!

وطالما أثارت شجونهم، وبعثت الحنين في نفوسهم والدمع في مآقيهم وما أسهل انهمال دموع الشعراء!

وكأني بك أيها القارئ تتوهم أن هذا كله ليس بأمر ذي خطر بل قد ترى أنه من السخف أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>