في الأسابيع الأخيرة كتب في (الرسالة) أساتذة كبار بحوثاً جليلة في النقد، توخوا منها شحذ همم النقاد، وحملهم على النقد المفيد الذي طالما كان عاملاً هاماً في نموّ الأدب وتمحيص العلم. وكان في كلام بعضهم كلام يوهم التعريض بأشخاص انبروا للدفاع عن أنفسهم، فكان لنا معشر القراء من ذلك فائدة ولذة.
وما كنت، وأنا من القراء، لأزج بنفسي بين الكتاب، لولا أن شيئاً مما كتبه الأستاذ إسماعيل مظهر في العدد ١٦١ من (الرسالة) لم أفهمه، فجئت أستأذن (الرسالة) بنشر ما يقوم بنفسي حول هذا الموضوع، لعل الأستاذ يتفضل بتصحيح فهمي، فأكون له من الشاكرين.
يتساءل الأستاذ:(هل وضعنا للنقد قواعد يقوم عليها هيكله وتشيد من فوقها أركانه؟ ألنا في النقد مذاهب مقررة ينتحيها الناقدون؟ وهل لنا في النقد قواعد تحدد للنقد حدوده، وترسم تخومه، وتعين اصطلاحاته، شأن كل الأشياء العلمية والأدبية التي لها أثر في تطور العقليات والمعقولات؟).
ثم ينفي الأستاذ أن لنا في النقد مذاهب (وإنما اتبعنا إلى الآن في النقد طريقة ميزانها الذوق والشعور).
وفهمي الكليل لا يرى محلاً لهذا التساؤل، ولا يتصور كيف يكون للنقد قواعد ومذاهب، لأن النقد - كما أفهم أنا - شيء إضافي ليس له حقيقة مستقلة، ولذا يقال: نقد الدراهم، ونقد العلم، ونقد الأدب، وغير ذلك. وهو كل ذلك معناه التمييز والتمحيص ومعرفة الزائف من الصحيح.
ولما كان لكل علم وفن حدود وقواعد فهي هي حدود وقواعد للنقد، وليس للنقد بعدها حدود ولا قواعد.
وإنما للنقد شروط لابد من توفرها في الناقد قبل الإقدام على النقد: فأولها أن يكون الناقد عالماً بالشيء المنقود علم إحاطة لئلا ينقد شيئاً لا يكون داخلاً في حدود علمه. ولعل هذا ما حمل الأستاذ أحمد أمين على أن يعيب على النقاد أن ينتقدوا ما ليس من اختصاصهم، وذلك لأن عدم الاختصاص لا يتيح للناقد الإحاطة بالشيء المنقود. فناقد الدراهم مثلاً يجب أن