يكون عالماً بماهية الدراهم ليستطيع نقدها، وناقد علم من العلوم يجب أن يكون عالماً بقضايا ذلك العلم واصطلاحاته، وناقد الأدب يجب أن يكون عالماً بأصول الأدب ومقاييسه ليستطيع تميز الصحيح من الفاسد، فمعرفة الصحيح من الفاسد في شيء ما، هي عبارة عن معرفة ذلك الشيء نفسه، ومن هذا يتبين أنه ليس للنقد حقيقة قائمة بذاتها ليوضع لها حدود وقواعد.
وثاني الشروط أن يكون الناقد حسن النية في النقد غير ميال مع الهوى بحيث ينظر إلى العمل من حيث هو عمل لا إلى العامل، فإن ذلك أدعى إلى العدل وأحفظ للسان من الوقوع في الإفراط في المدح أو الذم. وليس معنى هذا أنه لا يجوز مدح المحسن في عمل ما بما يستحق، فإن هذا كفران للجميل وقتل للمواهب التي ينميها التشجيع ويحييها الإطراء، وأما المسيء فيكفي بيان إساءته ووقف الناس على خطئه ما دام المقصود من النقد نفي الباطل وإقرار الحق.
وشرط آخر لناقد الأدب ونحوه من الفنون التي يكون للذوق فيها نصيب. وهو: أن يكون ذوق الناقد وذوق المنقود من بيئة واحدة أو متقاربة، وأن يكون المؤثر فيهما واحداً أو متقارباً ليكونا متقاربين لا متساويين فإن هذا مستحيل، فلا ينقد مشرقي مغربياً مثلاً في شيء تختلف فيه أذواق المشارقة عن أذواق المغاربة.
وشرط التقارب هذا يعتبر ضابطاً لا بأس به في الأدب ويكون الحكم بعد بين الناقد والمنقود الرأي الأدبي العام في تلك البيئة.
وإنما لزم هذا الشرط في الأدب لأن الأدب من ضمن عناصره الذوق والشعور فلا جرم يكون الذوق والشعور من عناصر النقد الأدبي، بيد أنهما لا يكونان كل ما في النقد الأدبي من شيء. وما دام الذوق والشعور غير محددين فمن المستحيل وضع قواعد وضوابط لهما، ولذا يكفي لقبول النقد القائم على الذوق تقارب ذوقي الناقد والمنقود.
وبعد، فقد ظهر - بحسب ما أفهم - أن قواعد النقد هي قواعد العلم والفن والأدب المنقود، وأنه لا يمكن وضع قواعد خاصة للنقد من حيث هو فن خاص، وإنما له شروط - والشروط غير القواعد - وهي لا تكاد تخفى معرفتها على أحد من كثرة ما نوه بها الكاتبون في هذا الموضوع.