للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من وراء المنظار]

فتوات ميري!

ما أحسبك أيها القارئ إلا قد اتجه ذهنك إلى ما أريد لأول وهلة، فاستحضرت صورة نفر من شرطتنا الأبطال والعياذ بالله تعالى، وإلا فمن غير هؤلاء يصدق عليهم هذا النعت وهم مصدر وحيه إلي كما يوحي الشيء الرائع بالمعنى الرائع؟

ولست أكتم عنك أيها القارئ أني بهؤلاء الأبطال ضائق أبداً، يغيظني مجرد مرآهم، وأكدر الإصباح عندي صباح يطالعني فيه بطل من هؤلاء قبل أن تقع عيناي على سواه من عباد الله. وإنه والله بعدها ليوم أسود، أظل أسأل الله فيه العافية.

ولست أتبين في نفسي على وجه اليقين ماذا دس فيها الحفيظة على هؤلاء حتى لأطيق كل صنف غيرهم من الأرذال، ولا أكاد أطيق حتى مجرد ذكرهم، ولو تمثلت لي عفاريت وتراقصت حولي بأشكالها وألوانها عن يمين وشمال لأنست إليها ولألفتها قبل أن أستطيع أن أصبر على مرأى واحد من هؤلاء (الفتوات الميري)

وارجع بالذاكرة القهقري ربع قرن فأراني على سور نادي (سيروس) أتدلى لأهبط في حديقته وأنا صبي في الرابعة عشرة وفي يدي كتبي جئت بها من المدرسة مضرباً لأستمع إلى سعد يخطب بعد أوبته من جبل طارق، وقد حال العساكر عند الباب بيني وبين آلاف غيري من الدخول، فما ادري إلا وعصا شديدة تهوي على وسطي فأقع على ظهري صارخاً وتتناثر كتبي ولا ينقذني من الرعب والهلاك إلا أحد الضباط، وأنسى الألم لفرحتي بالدخول إلى حيث أسمع سعداً. . أيكون مرد بغضي هذه الطائفة إلى ذلك الحادث. ولكن بيني وبينه ربع قرن.

وتثب ذاكرتي إلى الأمس القريب فأجدني أتهيأ للنزول من الترام ذات يوم، فإذا بعتل من هؤلاء يتحمس وهو على السلم في تحية أحد ضباطه ولكن يده الهابطة عن جبينه تقع في عنف على منظاري فإذا به يطير عن أنفي؛ ولولا أنه استقر على ذراع أحد الواقفين على السلم لما وقفت له على أثر. على أني وجدته قد تحطمت إحدى زجاجيته، ولا تسل عن مبلغ ما نال أنفي من ألم وما ركبه من ورم بضعة أيام. فهل كأن هذا اللعين يثأر لنفسه ولطائفته مقدماً من هذا المنظار؟ لست أدري. . . وهل يرجع شيء من حفيظتي على هذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>