أجمع علماء الشئون الشرقية على أن أحد أركان المدنية الإسلامية راجع إلى المدنية الإغريقية في آخر مراحلها
فلم يكد العرب يشتركون في تدعيم صرح تلك المدنية العظيمة إلا بلغتهم ودينهم. أما معظم المواد الأخرى فهو مأخوذ من ذلك التراث المجيد الذي تركه اليونان والذي قد توطن في البلاد الشرقية منذ عصر الاسكندر ذي القرنين. ثم جاءت الدولة العربية فأكملت توطن العلوم والآداب الإغريقية في الشرق الأدنى، ومكنتها من الإزهار في تلك المنطقة الرحيبة التي احتضنتها في دائرة حدودها السياسية. فنجد إن حركة ترجمة الكتب اليونانية في الفلسفة والعلوم الطبيعية والطب التي كانت قد بدأت في تلك البلاد قبل فتح العرب لها قد نشطت إلى حد بعيد في آخر القرن الثاني وفي القرن الثالث للهجرة. ولما كانت لغة التراجم الأولى هي اللغة السريانية فإنها بهذا الوضع بقيت الوسيط بين تراث اليونان وبين مدنية الإسلام كما كان معظم المترجمين من النصارى النسطوريين وفي مقدمتهم الحكيم الفيلسوف حنين بن اسحق (١٩٤ - ٢٦٠) الذي كان يشتغل (في بيت الحكمة) ذلك المعهد العلمي الذي أسسه المأمون الخليفة العباسي ببغداد لترجمة كتب العلوم. حنين هذا هو الذي خلق المركز الرائع لآراء جالينوس في القرون الوسطى في الشرق ومنه إلى الغرب
ويشهد بالمجهود العظيم الذي بذل في ترجمة الكتب اليونانية أن الخلفاء أنفقوا على الرحلات للبحث عن مخطوطات قيمة، وأن حنينا، كما أوضح بنفسه لم يكتف بأصل واحد وإنما كان يراجع بقدر الإمكان لا أقل من ثلاث نسخ ليستطيع بمقارنتها الحصول على متن صحيح
كانت هذه أي - دورة التراجم - مرحلة استعداد، وتبعها في القرن الرابع والنصف الأول من القرن الخامس الدور العظيم للعلوم الطبيعية والطبية في بلاد الإسلام. وجد علماء