ثم إن الرجل الغريب دلف إلى الحديقة بعد أن طرق الباب بيد مرتعشة طرقاً مضطرباً، ولم يتمهل حتى يؤذن له، وأسرع إلى حيث الشيخ يتوضأ لصلاة المغرب - وقد ارتسمت على صفحة وجهه دلائل الخوف وعلامات الفزع - فركع بين يديه، وظل الكلام يتعثر في حلقه لحظة، ثم استطاع أخيراً أن يتمتم بهذه الكلمات المتقطعة المضطربة:
- أيها الشيخ الرحيم. . . إني غـ. . . غريب عن هذه الأوطان. . . وأنا الآن. . . بعيد عن أهلي وعشيرتي. . . و. . و. . . فقال له الشيخ:
- اعتدل في جلستك يا بني! وتريث قليلاً حتى تهدأ أعصابك ويعود إليك اطمئنانك، فأنت الآن في بيتي، وسنحول بينك وبين كل مكروه، فلا تخف، وقل ما تريد. . .
- ارحمني بربك! أسبل عليّ ستراً من حمايتك بمكانة محمد عندك، إني برئ فمد يدك لمعونتي. . . لجأت إليك، فكن بي رحيماً. . .
هزت كلمات الرجل أوتار قلب الشيخ إدريس، وتأثر بالغ الأثر لهذا الغريب الذي يذوب قلبه فرقاً وقال له:
- إنك آمن الآن يا بني! فاطمئن ولا تخف، فإن المسلم، لا يغلق بابه في وجه من به استجار، وهذا ملجأ حصين، ستقر به عينك، وسيهدأ فيه بالك، ولكن هل لديك ما يمنع أن تطلعني على ما حدث لك، ولم ينتظر إجابته بل التفت إلى خادمه الذي لم يزل واقفاً وبيده إبريق الماء وقال له:
- هات له شراباً رطيباً، فهو في حاجة إلى ما يهدئ أعصابه، فذهب الخادم، وعاد وناول