امتلأت الصحف بحديث الطابور الخامس، وتناقلت الألسنة خبرهم، وتحدث الوزراء والقواد يحذرون الأمم منهم. والمقصود بالطابور الخامس تلك الفئة التي تظهر أو تستتر في أمة من الأمم المشتبكة في حرب مع أخرى، فتوالى الأعداء، أو تعمل على خذلان قومها بنشر الأراجيف وإذاعة الأخبار الكاذبة أو الضارة عن ضعف قومهم، وقوة أعدائهم، أو عن نتائج الحرب بما لا يفيد أبناء وطنهم، أو أنهم مسوقون إليها خدمة لمطامع أمة أخرى تحت شعار المحالفات، ومبادئ الشرف، والدفاع عن مبادئ الديمقراطية
وقد يكون عملهم إرشاد الجند الفاتحين إلى مواطن الضعف في البلد المغزو وإلى ما يدبر من خطط ترد كيد العدو وتصد زحفه
وشاعت هذه الكلمة أخيراً وصفاً لأعوان هتلر في النرويج وفي هولندا وبلجيكا، وفي فرنسا نفسها وجد هذا النوع من الناس فكان سبب نكبتها، وعاملا من أكبر العوامل في هزيمتها، ففني رجالها وضاع استقلالها، ووطئ الألمان بلادها يحكمون في أرضها وديارها وأموالها، ويغيرون على نظمها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ويبدلون دستورها وحكومتها، ويفعلون بها ما يشاءون
والغريب أن هتلر ينفي وجود أعوان له مأجورين في بلد من البلاد التي غزاها، ويقول إن وجود هذا الطابور الخامس في البلاد المفتوحة راجع إلى فساد النظم في تلك البلاد ورغبة فريق من أبنائها في الاستعانة به على إصلاح الأحوال لتكون كألمانيا قوة واتحاداً
والحق الذي لا مرية فيه أن في كل أمة من الأمم - القديمة منها والحديثة حتى ألمانيا نفسها - اختلافاً في الرأي، ودعاة لمذاهب سياسية تخالف مذهب أمتهم، وغيرة من الطبقة الحاكمة وتشيعاً لنظم اقتصادية أو اجتماعية غير السائدة في بلادهم. وهذه الاختلافات تضعف وتقوى تبعاً للعوامل التي تساعد على قوتها أو ضعفها؛ فإذا كانت الأمة متحدة