يولع الناس في الحياة عادة، لتسهيل فهم الأنفس والأمور وتبسيطه، بأن يجعلوا لكل نفس أو أمر صفة يرمزون بها أو معادلة أو قاعدة، وفي ذلك أضرار، منها أن العجلة قد ترمز للأمر أو النفس بصفة لا تتفق وأكثر الخصائص المراد تلخيصها بالرمز أو تختلف عنها كل الاختلاف، وإذا تعلق الناس بالرمز صعب إصلاح خطئهم وصعب حملهم على تغيير زيهم وصعب عليهم فعل الأمر الذي يعالجونه أو النفس التي يتفهمونها، أو قد يكون الرمز منطبقاً على جانب صغير منها فيغفل الناس عن الجانب الأكبر. على أن الرمز إذا وافق الجانب الأكبر فهو قد يغري أيضاً بالغفلة عن الجانب الآخر الذي لا ينطبق عليه الرمز فيتسرب الخطأ في هذه الحالة أيضاً، ولكن إذا تأنى المفكر في وضع الرمز واختياره وقدّر أن يكون مخطئاً في بعضه أو كله وحسب حساب مالا ينطبق عليه الرمز حتى في حالة الإصابة كان فعله مسهلاً للتفكير والفهم وتذوق الأمور. وعلى هذا الشريط نبيح لأنفسنا أن ننظر إلى كبار الشعراء على ضوء رمز نرمز به إلى كل منهم وصفة نصفه بها، فنقول إننا نتذوق أبا تمام كأنه خطيب عبقري بصير بأساليب البيان وأثرها في النفس، جرئ في ابتداع الأقوال، بصير بما يعالج من أمور البيان بالرغم من جرأته؛ وسواء أكانت أقواله في أمور حسية أو نفسية فإن كلماته تبلغ صميم القلب بما فيها من الخيال المشبوب وقوة الإيجاز مع الدلالة التامة والإلمام بالمعنى المراد ومع تجنب الإطالة الفاترة. وفنه من هذه الناحية يشبه أيضاً فن صانع القصص التمثيلية في الاعتماد على قوة الأداء مع صدقه الفني وإيجازه مع استيفائه المعنى. وندرك على هذا الوصف أن لأبى تمام ولمن نشبهه به جوانب لا يتفقان فيها ولا يلتقيان عليها، لأن النفس الإنسانية تشبه البِلَّوْر ذا الأضلاع والجوانب العديدة التي تنعكس عليها أشعة الشمس في أشكال وجهات مختلفة متعددة. ونتذوق البحتري كأنه ممثل قدير يلوك حلو الكلام ويتأثر به وينتشي بحلاوة الصنعة حتى تخلق له الصنعة عواطف فنية كما في حياة بعض كبار الممثلين؛ ونقدر مع ذلك أن لنفسه جوانب أخرى تنعكس عليها أشعة الفنون. ونتذوق الشريف الرضي كأنه موسيقى يحكم