من الكتب كتاب واحد يغني عن عشرة، وقلما أغنى قط كتاب عن كتاب. وهذا الكتاب في فتح العرب مصر يدخل في باب ما لا يستغني عنه من الكتب لفائدته وطرافته. صرف مؤلفه في وضعه وقتاً طويلاً يدرس ويبحث، ثم يستقرئ ويستنتج، فجاء كتابه ناضجاً من كل وجه، حرياً بأن يتعلم بعض من يؤلفون بالعربية أصول التأليف المنقحة بالنظر إلى هذا الكتاب وكيف يدرس الغربيون أبحاثهم ليفيدوا العلم ويأتوا بالمتقن من صفحاته
استعان المؤلف في تأليفه بشذرات قليلة مما كتبه الروم ومؤرخو الكنيسة القبطية، وما كتبه أهم المؤرخين من العرب والإنجليز والفرنسيين والألمان، وما عثر من أوراق البردي في أرجاء مصر، وما كشف من عادياتها القديمة، ورجع إلى عالم عصره الشيخ محمد عبده فأعطاه بعض قطع اختارها أو كتبها، وكانت خاصة بالفتح، وساعده غير واحد من أعلام مصر في قراءة جمل من القبطية وغيرها فجلا تاريخ هذه الحقبة بأجمل أسلوب عصري، صوَّر لك ما وقع من حوادث الفتح العربي كأنك تشهدها
قال:(ولعل القارئ يستطيع من مطالعة الملاحق التي ألحقناها في آخر الكتاب أن يتبين شيئاً من مقدار ما هنالك من خلط في التاريخ، ومقدار ما عانيناه من المشقة في ابتداع طريقة لضبط تواريخ، الفتح الفارسي والفتح العربي، فالظاهر أن مؤرخي العرب لا يعرفون شيئاً عن تيودور القائد الأعلى لجيوش الروم، فهم يخلطونه ببعض أصاغر القواد، وهم كذلك يخلطون بين قيرس (المقوقس) وبنيامين، وبين فتح قطر مصر وفتح مدينة مصر، وفتح الإسكندرية، ولا يميزون بين فتح الإسكندرية الأول الذي كان صلحاً وبين