للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الملك فؤاد]

للأستاذ مصطفى صادق الرافعي

مات الملكُ العظيم، فرأى الناسُ من ذهولهم كأنما زيدت في الموت زيادة

وكأن يوماً ليس من الدنيا وقع في الدنيا فترك الحياة في غير معناها

وكأن العيونَ انفتحت فجأةً على شكل محزن من هذا الوجود.

وكأن حادثاً عظيما انتهى من التاريخ المصريّ إلى نقطة انقلاب؛

ورأى الناسُ كأن غيمةً فوق مصر تجتمع من حزن ستة عشر مليون قلب!

مات فؤاد العظيم، فعرفت مصرُ أن معجزةً فارقتها

وأنه لم ينقض رجل؛ ولكن ذهب قَدَرٌ كان في خدمة حوادثها المضطربة

ولم ينته عمر؛ ولكن انتهت سعادةٌ كانت من حظ أيامها؛

ولم ينطو تاريخ؛ ولكن انطوت قوة كانت تعمل في حل مشاكلها

فارقت معجزة، وذهب قدَر، وانتهت سعادة، وانطوت قوة. ما أفدح خطبك يا مصر!

وكيف لا يكون معجزةً من خُلقت مواهبُه على قدر أمة تنال به التاجَ بعد أن فقدته ألفي سنة؟

وكيف لا يكون قَدَرا من بُعثت عزيمتُه لحل الزمن السياسي المعقَّدِ منذ دهور ودهور؟

وكيف لا يكون سعادةً هذا الذي مرَّت آثاره على فقر التاريخ مرورَ الغنى؟

وكيف لا يكون قوةً وإرادتُه الجبارةُ كانت مظهر السر الذي يعمل وينتصر؟

أيتها الحقيقة العظيمة! هل كانت النبوَّة في شكل سياسي؟

مرض الملك رحمه الله، فكانت أخبارُ مرضه روايةَ أحزان الشعب

وعرف كل مصري أن هذا الملك هو الوطن في صورة رجل،

واتجهت العاطفة الوطنية في البلاد كلها إلى رمزها الحي،

واثبت الشعبُ في سمو أخلاقه أن ملكه العظيم هو الذي ارتقى به إلى هذا السمو

وأُصلحت غلطةٌ كانت السياسة الأجنبية تسميها التفرق. .

ومات الملك رحمه الله، فأتم موتُه عمَل حياته العظيمة

جمع الأمة كلها على أسمى أخلاقها من الحب والوفاء والاتحاد؛

<<  <  ج:
ص:  >  >>