وبعد، فقد عرضنا على القراء في كلمتنا الأولى عن هذه الرسائل آراء الأستاذ الرصافي التي يلحد بها في الله وفي الإسلام والتي نقلتها الرسالة عن الأستاذ أمين الريحاني، عن الرصافي سنة ١٩٣٥؛ ثم عرضنا في كلمتنا الثانية طائفة من آرائه تلك، أوردها في كتابه الجديد الذي علق به على كتابي الدكتور زكي مبارك: التصوف الإسلامي والنثر الفني، ومن بين هذه الآراء إيمانه المطلق بوحدة الوجود وما ينبني على هذه الوحدة من آثار أخلاقية هدامة، ثم رأيه في تأليف القرآن، والأدعية (ومنها الصلاة)، والبعث، والجبر، وتساوي المتضادات من خير وشر، وتقي وفجور، وترهب وخلاعة. ثم إنكاره للثواب والعقاب على النحو الذي جاء به الإسلام. ثم دعوته المسلمين إلى الأخذ بآرائه إن أرادوا أن يكون لهم مجد، أو أرادوا بين الأمم مقاماً محموداً. ثم أثبتنا في كلمتنا الثالثة فساد ما ذهب إليه الأستاذ من أن نظرية وحدة الوجود هي شئ من صنع الرسول الكريم، لم يعرفها العالم إلا حينما جاء بها محمد. ثم ما كان من اهتداء متصوفة المسلمين إليها بعد محمد بقرن أو قرنين من الزمان. أثبتنا في كلمتنا الثالثة فساد هذا الزعم لأن نظرية وحدة الوجود فكرة ترددت في الفلسفة اليونانية، فقد قال بها إجزنوفنس الذي كان يؤمن بالحلول، وأشرنا إلى ما كان يزعمه هرقليطس من التقاء المتضادات وتساوي الخير والشر وجميع المتناقضات بناء على ذلك، لأن التناقض في زعمه، هو في نظرنا فقط! وذلك وما قبله هو لباب نظرية وحدة الوجود! وأشرنا كذلك إلى ما ذهب إليه أناجزاجوراس من تعدد العناصر ووجود قوة عاقلة - ال ? حالة في الكون متحدة به، تتولى تحريكه وتنظيمه - ثم أتينا على ما انقسم إليه تلاميذ سقراط من بعده من حيث نظرة كل منهم إلى الفضيلة أو السعادة. ونشدانها. . . فالكلبيون ينشدونها في الجهل والزهد والتقشف والقورينيون ينشدونها في اللذة، واللذة الحسية بنوع خاص - وهو ما يذهب إليه معظم متصوفة المشرق - هداهم الله - والميجاريون ينشدونها في التأمل الفلسفي، ثم وقفنا من أفلاطون أمام ثالوثه العجيب: المادة، والمثل. والله، وما كان من اضطراب أرسطو في تصور ذات الله، هل له وجود مشخص