وكان الجيش الإسلامي في حال تدعو إلى القلق والتوجس، فان الشقاق كان يضطرم بين قبائل البربر التي يتألف منها معظم الجيش، وكانت تتوق إلى الانسحاب ناجية بغنائمها الكبيرة. وكان المسلمون في الواقع قد استصفوا ثروات فرنسا الجنوبية أثناء سيرهم المظفر ونهبوا جميع كنائسها وأديارها الغنية، وأثقلوا بما لا يقدر ولا يحصى من الذخائر والغنائم والسبي فكانت هذه الأثقال النفيسة تحدث الخلل في صفوفهم وتثير بينهم ضروب الخلاف. وقدر عبد الرحمن خطر هذه الغنائم على نظام الجيش وأهبته وخشي مما تثيره في نفوس الجند من الحرص والانشغال وحاول عبثاً أن يحملهم على ترك شيء منها؛ ولكنه لم يشدد في ذلك خيفة التمرد. وكان المسلمون من جهة أخرى قد أنهكتهم غزوات أشهر متواصلة مذ دخلوا فرنسا، ونقص عددهم بسبب تخلف حاميات عديدة منهم في كثير من القواعد والمدن المفتوحة. ولكن عبد الرحمن تأهب لقتال العدو وخوض المعركة الحاسمة بعزم وثقة. وبدأ القتال في اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر منأكتوبر سنة ٧٣٢م (أواخر شعبان سنة ١١٤ هـ) فنشبت بين الجيشين معارك جزئية مدى سبعة أيام أو ثمانية احتفظ فيها كل بمراكزه. وفي اليوم التاسع نشبت بينهما معركة عامة فاقتتلا بشدة وتعادل حتى دخول الليل. واستأنفا القتال في اليوم التالي، وأبدا كلاهما منتهى الشجاعة والجلد حتى بدا الإعياء على الإفرنج ولاح النصر في جانب المسلمين. ولكن حدث عندئذ أن افتتح الفرنج ثغرة إلى معسكر الغنائم الإسلامى، وخشى عليه من السقوط في أيديهم، أو حدث كما تقول الرواية أن ارتفعت صيحة مجهول في المراكز الإسلامية بأن معسكرالغنائم يكاد يقع في يد العدو. فارتدت قوة كبيرة من الفرسان من قلب المعركة إلى ما وراء الصفوف لحماية الغنائم، وتواثب كثير من الجند للدفاع عن غنائمه. فدب الخلل إلى صفوف المسلمين، وعبثا حاول عبد الرحمن أن يعيد النظام وان يهدئ روع الجند، وبينما يتنقل أمام الصفوف يقودها ويجمع شتاتها، إذ أصابه من جانب الأعداء سهم أودى بحياته، وسقط قتيلا من فوق جواده، وعم الذعر والاضطراب في الجيش الإسلامي، واشتدت وطأة الفرنج على المسلمين وكثر القتل في صفوفهم، ولكنهم صمدوا للعدو حتى جن الليل، وافترق الجيشان دون فصل. وكان