ذلك في اليوم الحادي والعشرين من أكتوبر سنة ٧٣٢ م (أوائل رمضان سنة١١٤ هـ)
وهنا اضطرم الجدل والنزاع بين قادة الجيش الإسلامي، واختلف الرأي وهاجت الخواطر وسرى التوجس والفزع. ورأى الزعماء أن كل أمل في النصر قد غاض فقرروا الانسحاب على الأثر. وفي الحال غادر المسلمون مراكزهم وارتدوا في جوف الليل، وتحت جنح الظلام جنوبا، صوب قواعدهم في سبتمانيا، تاركين أثقالهم ومعظم أسلابهم غنما للعدو. وفي فجر الغد لاحظ كارل وحليفه أودو سكون المعسكرات العربية فتقدما منها بحذر وإحجام فألفياها خاوية خاليةالا من بعض الجرحى الذين لم يستطيعوا مرافقة الجيش المنسحب، فذبحوا على الأثر. وخشى كارل الخديعة والكمين فاكتفا بانسحاب العدو ولم يجرؤ على مطاردته وآثر العود بجيشه إلى الشمال. هذه هي أدق صورة لحوادث تلك الموقعة الشهيرة طبقا لمختلف الروايات. والآن نورد ما تقوله الرواية الإفرنجية الكنسية ثم الرواية الإسلامية. أما الرواية الإفرنجية الكنسية فيشوبها كثير من المبالغة والتحامل والتعصب، وهي تصف مصائب فرنسا والنصرانية من جراء غزوة العرب في صور مثيرة محزنة، وتفصل حوادث هذه الغزوة فتقول إحداها:(لما رأى الدوق أودو أن الأمير شارل (كارل) قد هزمه وأذله وأنه لا يستطيع الانتقام إذا لم يتلق النجدة من إحدى النواحي، تحالف مع عرب إسبانيا ودعاهم إلى غوثه ضد الأمير شارل وضد النصرانية. وعندئذ خرج العرب وملكهم عبد الرحمن من أسبانيا مع جميع نسائهم وأولادهم وعددهم وأقواتهم في جموع لا تحصى ولا تقدر، وحملوا كل ما استطاعوا من الأسلحة والذخائر كأنما عولوا على البقاء في أرض فرنسا. ثم اخترقوا مقاطعة جيروند واقتحموا مدينة بوردو وقتلوا الناس في الكنائس وخربوا كل البسائط وساروا حتى بواتيو. . .)
وتقول أخرى: (ولما رأى عبد الرحمن أن السهول قد غصت بجموعه اقتحم الجبال ووطئ السهول بسيطها ووعرها، وتوغل مثخنا في بلاد الفرنج ومحق بسيفه كل شيء، حتى أن أودو حينما تقدم لقتاله على نهر الجارون وفرّ منهزماً أمامه لم يكن يعرف عدد القتلى سوى الله وحده. ثم طارد عبد الرحمن الكونت أودو، وحينما حاول أن ينهب كنيسة تور المقدسة ويحرقها التقى بكارل أمير إفرنج أوستراسيا وهو رجل حرب منذ فتوته، وكان أودو قد بادر بأخطاره وهنالك قضى الفريقان أسبوعا في التأهب واصطفا أخيرا للقتال ثم وقفت أمم