نزار قباني؟. . أين كان هذا الشاعر وأين كنت؟! ما أكثر ما يقع في يدي من دواوين الشعر في هذه الأيام، فلا أكاد أقبل عليها حتى أعرض عنها. . إلا هذا الديون! لقد لقيت صاحبه منذ شهر لأول مرة، وأسمعني بعض شعره لأول مرة، ولم أنشأ يومئذ أن أقطع برأي في فنه خشية أن يكون قد قدم إلى خير قصائده. . أما الآن، فأستطيع وأنا مطمئن أن أقدم هذا الشعر إلى الناس. . وأن أقدم صاحبه. وقبل أن أضع هذه المجموعة الشعرية فوق مشرحة النقد، أقول إنها تثير مشكلة طال حولها الجدل وسوف يطول، ما دام هناك أناس ينشدون الفن للفن، وأناس ينشدون الفن للمجتمع. أما أولئك فهم الذين يفهمون الفن وأصوله، وعلى أي الدعائم يجب أن تقام. وأما هؤلاء فلا يريدون للفن إلا أن يسير في ركاب المجتمع ولو تنفس برئتين صناعتين، غافلين عن أن رسالة الفن ما هي إلا صدق التعبير عن الحياة، التعبير عما فيها من جمال وقبيح من تناسق وشذوذ، من خير وشر، من حرية وقيود! سيقول من لا يفهمون رسالة الفن إن (طفولة نهر) ما هو إلا صلوات فكر في محراب الجسد، أو صلوات روح، أو صلوات شعور. . وسأقول أنا إنه صلوات فن؛ وحين يرتفع صوت الفن بالصلاة يجب أن تخمد كل الأصوات! أن الدفاع هنا ليس دفاعاً عن صاحب هذا الشعر ولكنه دفاع عن الفن. . أن الفن الصادق لا يعرف القيود، ويوم يتشح الفن بغلالة واحدة من غلائل النفاق الاجتماعي فقل إنه قد انحرف عن الجوهر الأصيل في رسالته، وهو أن يعبر عن الحياة فيصدق في التعبير!. . عش في أعماق الحياة، واستخدم كل حواسك في تذوق هذه الأعماق فإذا استطعت أن تعبر في صدق عن انعكاس الحياة على حواسك ووقعها على شعورك فقد أنتجت فنا؛ وبهذا المقياس نستطيع أن ننظر إلى (طفولة نهر) إلى كل أثر فني تبدعه القريحة! لقد كنت أود أن أطيل الدفاع عن رسالة الفن، ولكن الشاعر سبقني فدافع عن شعره في كلمات صادقة حين قال: (الشعر يحيط