للفيلسوف أن يفرض ما شاء من النظريات والمبادئ لإصلاح المجتمع وتهذيب الفرد، وللأخلاقي أن يتحدث عن كمال الإنسانية وفضائلها، وللواقع بعد ذلك أن يسطر حوادثه في سجل الوجود بأسلوبه الخاص وعلى النهج الذي ترتضيه الأيام ويضعها أمام الأفراد والجماعات
وضع أفلاطون (جمهوريته) وتكلم فيها عما يجب أن يتبع لقيام حكومة عادلة ونظام دائم يرعى مصلحة الفرد كما يحرص على نفع الجماعة. وأسهب في تفاصيل ذلك النظام وقسمه وفق طبائع الإنسان التي قدرها والتي يجب أن تسودها (العدالة) في نظره إذا قصد به إلى الكمال المطلق
وظن كثير من أتباع هذا الفيلسوف أنها أجود ما ينتجه عقل مفكر، وأن في نظامها خير ما تبغيه الإنسانية
إلا أرسطو - لأنه عاش بتفكيره في عالم الواقع ووجه عمله العقلي في أغلب الأحايين إلى إيجاد حلول لمشكلات وقته وأزمات شعبه - فقد تناول جمهورية أستاذه بالنقد مسترشدا بتجاربه ورد كثيراً من مبادئها لأنها قامت على الفرض الذي لا تمكن الأيام ولا طبيعة الإنسان من تنفيذه
كذلك شعّب كثير من علماء الأخلاق وجهات نظرهم فيما هو أسمى الفضائل التي تقرب الفرد والجماعة من (المثال الأعلى) وتضعهما في مستوى روحي يحول بينهما وبين الشقاء النفسي. وتحدثوا كثيراً عن العدل (المطلق) كتحديد لهذا الأسمى من الفضائل أو تقريب لمفهومه. وآمن رجال الدين بهذا المبدأ وبنوا عليه وعظهم الخلقي كما حاول المقنِّنون جعله غاية تقنينهم، سواء فيما يتعلق بنظام الحكم أو بمعاملة الأفراد بعضهم لبعض
ولكن الواقع أنكر هذا الإطلاق فيما مضى وما زال - وسوف - ينكره لأن ما يقع من