وكون الإنسان آمناً في سربه حراً في عمله ورأيه هو المطلب الذي لا يتخطاه إلا وهو ظالم نفسه وظالم غيره، إلا أن تكون سيادة على الآخرين برضى منهم وشهادة له بالاستحقاق، وتلك غاية لا يطمح إليها كل إنسان
وللحرية من الطبيعة موسم، هو الصيف
وللأمان من الطبيعة موسم، هو الشتاء
فبركة الصيف هي الطلاقة، وبركة الشتاء هي الطمأنينة، وهذا إذا صلحت الأحوال. . . فأما إذا فسدت فلا بركة في صيف ولا شتاء
إذا لاح الصيف خرج الناس إلى المنازه، وكرهوا الحدود والقيود، فلا سقوف ولا أسوار، ولا غطاء ولا دثار، وإنما الحرية كأنما الإنسان نفس من الهواء، لا يريد إلا نفساً من الهواء
وإذا لاح الشتاء فالرياح تزمجر، والسماء تمطر، ومن فوقنا حجاب ومن ورائنا حجاب، ولا سرور إلا أن تسكن إلى الدفء الوثير بين الجدران
وهكذا تتمثل في الطبيعة غاية مطالب الإنسان: الحرية والأمان والناس يزعمون أن البركة كلها في الربيع، وأنه موسم الزهر والفاكهة، ومشهد الحب والجمال، ومعرض المدينة والريف. فهل بقيت للشتاء بقية بعد هذه المحاسن والخيرات، وبعد يقظة النفس ويقظة الدنيا؟
والناس لا ينصفون، أو لعلهم ينصفون وينسون. فبعد الربيع يبقى الشعور بالربيع، ومن أوفى نصيباً من هذا الشعور؟ أهل الربيع أو أهل الشتاء؟ الذين يجدون الربيع سهلاً غير مرقوب، أو الذين يجدونه عسيراً بعد ارتقاب واشتياق؟
ما عرف الربيع أناس كالذين اختبروا قسوة الشتاء، فالشمس ضيف ثقيل في بلاد الصيف القائظ، وطلعة جميلة في بلاد الشتاء القارس؛ والزهرة فتاة مبتذلة من فتيات الطريق عند من يشهدونها في كل يوم وفي كل مكان، وهي عروس خفرة و (رسولة) مبشرة عند من