للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أنا والأحمر]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

غضبت على ذات دل وحسن. ومن النساء من تدل ولا حسن لها. ومن هن الجميلة التي لا تدرك قيمة ما وهبها الله؛ ولكن هذه عارفة مدركة أصح أدراك وأدقه. وآية ذلك إنها لا تنفك تؤكد خصائص جمالها وتبرزها بألوان الثياب، وأسلوب التفصيل، وبطريقة تسريح الشعر وفرقه، وبحركاتها ومشيتها ولفتة وجهها، والجانب الذي تؤثر إن تمنحكه منه، وابتسامتها وخطرتها ووقفتها، وبالصورة التي تعرضها على عينك وهي متكئة على ظهر كرسي أو حافة شرفة، إلى آخر ذلك إذا كان له آخر

وسر هذا الغضب أنها تؤمن بالدلال - كما لا يسعها إلا إن تفعل - وأني أنا أؤمن بقول المتنبي عليه ألف رحمة:

زودينا من حسن وجهك مادا ... م فإن الجمال حال تحول

وصلينا نصلك في هذه الدن ... يا فإن المقام فيها قليل

فلها عقلها وطبيعتها، ولي عقلي وطبيعتي؛ ومن أجل ذلك نحن مختلفان متجافيان - تراني فتعرض عني، وأرها فأتجاوزها بعيني، كأنها ليست هناك؛ وتراجع نفسها أحياناً فتصفو وتقول عفا الله عما سلف، وتومئ إلي إيماءة تجعلها خفيفة خفية من الكبر والتردد، فأتجاهل وأتعامى وأتباله، فترجع إلي شر مما كانت به من الغضب والسخط، وتمنحني كتفها أو توليني ظهرها، وتمضي الأيام على هذا التقاطع الشديد - أخرج إلى الشرفة وتكون هي مطلة فتأخذني عينها، فما أسرع ما تتناول مصراعي الشباك وتغلقهما بعنف لا داعي له سوى أنها تريد إن تسمعني صوت الإغلاق لأدرك معناه. وأكون أنا في الشرفة فتظهر في نافذتها أو شرفتها، فلا أكاد أراها حتى اعبس وأمط بوزي. كان من سوء حظي ألا استطع إن اقف في الشرفة دقائق من غير إن تسد الفضاء أمامي، ثم أدور دورة سريعة وارتد إلى الغرفة ملتمساً الوقاية من جدرانها

ولم يكن هذا حالنا من قبل، بل كنت أقبل عليها فتهش لي وتريني وميض أسنانها والتماع عينيها، وكنت ألقاها فتدنو مني حتى لاحس أنفاسها العطرة على وجهي، وتضع راحتها البضة على قلبي وتقول لي: (كيف حال هذا المسكين الذي لا يمل الدق بل الوثب؟)

<<  <  ج:
ص:  >  >>